الإثنين 12 ربيع الأول 1446
من شروط المسح أن يلبس خفا أو ما فيه معناه
الإثنين 11 أبريل 2022 2:00 مساءاً
486 مشاهدة
مشاركة

** هل يجوز المسح على الخف المخرق؟ فيه خلاف بين العلماء:

القول الأول: أنه لا يجوز المسح على خف فيه شيء من الخروق، وهذا مذهب الشافعية وأحمد، وعللوا ذلك بأن ما ظهر من القدم فرضه الغسل وما لم يظهر فرضه المسح، والمسح والغسل لا يجتمعان في عضو واحد.

وأجيب بأن قولهم ما ظهر فرضه الغسل وما لم يظهر فرضه المسح غير صحيح، فإن باطن القدم مستتر بالخف ومع ذلك لا يمسح، بل يكتفى بمسح ظاهر الخف.

أما قولهم إن المسح والغسل لا يجتمعان في عضو واحد فهو منقوض بالجبيرة، فإنها إذا كانت في نصف الذراع فالمسح على الجبيرة، والغسل على ما ليس عليه جبيرة.

القول الثاني: أنه يجوز المسح على الخف المخرق بشرط أن يكون الخرق يسيرا، وهذا مذهب الحنفية والمالكية، واختلفوا في ضابط اليسير، فحده الحنفية بمقدار ثلاثة أصابع، وحده المالكية بأن لا يظهر أكثر من ثلث القدم، وبنوا هذا على أصل عندهم أن الثلث ينزل منزلة الكل، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (الثلث والثلث كثير).

وهذا الاستدلال فيه نظر.

القول الثالث: أنه يجوز المسح على جميع الخفاف ما دام اسم الخف عليها صادقا، وهذا قول ابن المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية وإسحاق بن راهويه، واستدلوا بما يأتي: 

1- أن الأحاديث جاءت مطلقة بالمسح على الخفين، فكل ما يصدق عليه ذلك فهو داخل في الأحاديث.

2- أن الخفاف في العادة لا تخلو من فتق وخرق، وكثير من الصحابة كانوا فقراء لا تخلو خفافهم من خروق.

3- أن المحرم ممنوع من لبس الخف إلا عند الحاجة إذا لم يجد نعلين، وبالاتفاق يدخل فيه الصحيح والمخرق، فإذا كان يدخل في تحريمه على المحرم؟ فكيف لا يدخل في المسح عليه وهو باب سهولة ورخصة.

4- أن المعنى الموجود في الخف الصحيح موجود في المخرق، وكذا اللفائف. [الإنصاف 1/179] 

5- أن اختلاف أصحاب الأقوال الأخرى في الخف الذي يجوز المسح عليه، يدل على أن هذه الأقوال لا دليل صحيح عليها، ولهذا بعضهم يرى أنه لا يمسح ولو كان فيه خرق يسير جدا، وبعضهم يحده بالثلث أو ثلاثة أصابع.

** هل يجوز المسح على الخف إذا لم يكن ساترا للكعبين؟ فيه خلاف بين العلماء: 

القول الأول: وهو مذهب الجماهير، أنه لا يجوز المسح عليه لأنه لا يدخل في مسمى الخف، ويدل لذلك حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما يلبس المحرم من الثياب فقال: (لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويل ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد النعلين، فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين) [خ 1542، م 1177] فدل على أن الخف إذا قطع أسفل من الكعبين لم يعد خفا وصار بمنزلة النعل.

القول الثاني: وهو مذهب الأوزاعي واختيار ابن حزم وشيخ الإسلام ابن تيمية أنه يجوز المسح عليه، والعلة أنه يسمى خفا فيدخل في إطلاقات النصوص الشرعية. [الفتاوى الكبرى 1/318، 5/304، الإنصاف 1/179، المحلى 1/336] 

وقد جاء في مجموع الفتاوى ما يشكل على هذا، ففيه: "والخفاف قد اعتيد فيها أن تلبس مع الفتق والخرق وظهور بعض الرجل، وأما ما تحت الكعبين فذاك ليس بخف أصلا، ولهذا يجوز للمحرم لبسه مع القدرة على النعلين في أظهر قولي العلماء" [مجموع الفتاوى 21/190] 

وقال بعده: "فإن السراويل المفتوق والخف المقطوع لا يدخل في مسمى السراويل والخف عند الإطلاق ... لأن المقطوع يصير كالنعلين فإنه ليس بخف، ولهذا لا يجوز المسح عليه باتفاق المسلمين فلم يدخل في إذنه في المسح على الخفين." [مجموع الفتاوى 21/192] 

وقبلها قال: "والمسح على الخفين قد اشترط فيه طائفة من الفقهاء شرطين: هذا أحدهما: وهو أن يكون ساترا لمحل الفرض. وقد تبين ضعف هذا الشرط." [مجموع الفتاوى 1/183]

وهي فتوى واحدة في جواب سؤال واحد، وعند التأمل في كلام شيخ الإسلام رحمه الله يتبين أن قوله "وقد تبين ضعف هذا الشرط" يقصد به اشتراط ألا يكون في الخف خرق، فإن الكلام قبله كان عن الخف المخرق، فهو المقصود بقوله في اشتراط الفقهاء: "أن يكون ساترا لمحل الفرض"، ثم ذكر شيخ الإسلام في الموضعين السابقين أن الخف الذي تحت الكعبين لا يسمى خفا ولا يدخل في الرخصة.

وقد نص في الإنصاف على اختيار شيخ الإسلام جواز المسح على الملبوس ولو كان دون الكعب، فإما أن يكون هذا قول ثان، أو يكون من باب القياس على المسح على الخفين والتساخين، لكن يشكل على كلام شيخ الإسلام السابق نقله الاتفاق على عدم جواز المسح على ما كان مقطوعا دون الكعبين، فإن خلاف ابن حزم فيها ظاهر، بل قال في المغني: "ولو كان مقطوعا من دون الكعبين لم يجز المسح عليه، وهذا الصحيح عن مالك، وحكي عنه وعن الأوزاعي جواز المسح لأنه خف يمكن متابعة المشي فيه فأشبه الساتر" [المغني 1/180]

والاحتياط في هذه المسألة عدم المسح على ما كان تحت الكعبين كالكنادر، لظاهر دليل الجمهور.


** هل يشترط أن يثبت الخف بنفسه؟ فيه خلاف بين العلماء:

القول الأول: وهو المشهور من مذهب الشافعية والحنابلة أنه يشترط أن يثبت الخف بنفسه، فلا يجزيء إذا كان مشدودا أو مربوطا أو نحو ذلك، بل لا بد أن يكون ثابتا بنفسه بصنعته.

القول الثاني: وهو مذهب بعض الحنابلة وبعض المالكية، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يشترط ذلك، لأنه لا فرق بين أن يكون ثابتا بنفسه أو بغيره.


** هل يشترط إمكان متابعة المشي على الخف؟ فيه خلاف بين العلماء: 

القول الأول: أنه يشترط ذلك، وهو مذهب الجمهور، واختلفوا في تقدير المسافة، فالحنفية على أنه يشترط أن يكون قادرا على المشي فرسخا فأكثر، والمالكية على أن الشرط أن يمكن المشي فيه عادة، والشافعية على أنه بقدر ما يحتاج إليه المسافر، والحنابلة على أن مرجع ذلك إلى العرف. 

القول الثاني: أن ذلك ليس بشرط، وهو وجه في مذهب الشافعية، وهو الراجح، لأنه قد يلبس الخف وهو راكب فلا يحتاج إلى المشي فيه، ولأن المسح ورد مطلقا، واختلاف التقييدات تدل على أنه ليس عليها دليل.


** هل يجوز المسح على الجوارب؟ فيه خلاف بين العلماء:

القول الأول: أنه لا يجوز ذلك وهو مذهب الجمهور، واستثنى بعض الشافعية الجورب الصفيق، واستثنى بعض الحنفية الجورب المنعل أو المجلد، والفرق بينهما أن المنعل ما جعل على أسفله جلدة، والمجلد ما جعل على أعلاه وأسفله، واستثنى المالكية من عدم الجواز الجورب المجلد، واستدلوا بأن الجوارب ليست كالخفين، بدليل أنه لا يمكن المشي عليها، حيث إنها تتقطع بالمشي.

وأجيب بأن العلة في جواز المسح عليها ليس إمكانية المشي، بل مشقة النزع، وهي ثابتة في الجوربين مثل الخفين.

القول الثاني: وهو مذهب الحنابلة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، أنه يجوز ذلك، واستدلوا بما يأتي: 

1- عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (توضأ ومسح على الجوربين والنعلين) وهو حديث ضعيف عند أكثر المتقدمين. [ت 99، د 159، جه 559، والحديث قال عنه الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وقال النسائي في سننه الكبرى: "لا نعلم أحدا تابع أبا قيس على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة أنه عليه السلام مسح على الخفين"، وأنكر الحديث البيهقي، وضعفه سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومسلم بن الحجاج، والدارقطني، وأشار ابن القيم إلى تضعيفه حيث قال: "ولا نعتمد على حديث أبي قيس"، وقال النووي: "كل واحد من هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي باتفاق أهل المعرفة"، والحديث أومأ إلى تصحيحه ابن دقيق العيد، وصححه الألباني وأحمد شاكر، وانظر نصب الراية 1/184] 

2- حديث ثوبان الهاشمي -رضي الله عنه- قال: (بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرهم أن يمسحوا على العصائب -العمائم- والتساخين) [حم 21878، د 146، كم 602، وصححه الحاكم، وقال الذهبي: "إسناده قوي"، وصححه النووي في المجموع 1/465، وأعله الإمام أحمد بالانقطاع بين راشد بن سعد وثوبان، لكن أثبت البخاري سماع راشد من ثوبان، والمثبت مقدم على النافي، والحديث ضعفه ابن حزم والحافظ ابن حجر فقال: "وإسناده منقطع وضعفه البييهقي، وقال البخاري حديث لا يصح" الدراية 1/72، التلخيص الحبير 1/156، وصححه الألباني] والتساخين هي ما يسخن القدم من الخفاف ونحوها، ومثلها الجوارب فإنها كذلك.

3- القياس على الخفين بجامع عدم الفارق بينهما.

4- أنه قد ورد عن الصحابة، قال النووي: "حكى ابن المنذر إباحة المسح على الجورب عن تسعة من الصحابة علي وابن مسعود وابن عمر وأنس وعمار بن ياسر وبلال والبراء وأبي أمامة وسهل بن سعد ... وحكى أصحابنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقا وحكوه عن أبي يوسف ومحمد وإسحاق وداود" [المجموع 1/527] 

وقد يجاب على هذا القياس بأنه قياس على رخصة، والقياس على الرخص محل خلاف بين العلماء، وقد قال كثير منهم بعدم جواز القياس على الرخص، ومثله القياس على التقديرات والكفارات.

واعلم أن الجورب اختلف العلماء في صفته ومما يتخذ، فقيل هو: لفافة الرجل، وقال في تاج العروس: الجورب لفافة الرجل، وهو بالفارسية كورب، وأصله كوربا ومعناه قبر الرِّجْل، وقال الشوكاني: "الخف نعل من أدم يغطي القدمين، والجرموق أكبر منه والجورب أكبر من الجرموق"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الفرق بين الجوربين والنعلين إنما هو من كون هذا من صوف وهذا من جلود" [الفتاوى الكبرى 1/418، تحفة الأحوذي 1/276]

والأقرب جواز المسح على الجوارب، لأن هذا الباب في أصله رخصة، لكن لا بد أن يكون الجورب مما يشبه الخف، أما الجورب الخفيف جدا فلا يمسح عليه، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما مسح الجورب: نعم يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشي فيهما، سواء كانت مجلدة أو لم تكن في أصح قولي العلماء" [الفتاوى الكبرى 1/418]