الإثنين 12 ربيع الأول 1446
أحكام أخرى في المسح على الخفين
الإثنين 11 أبريل 2022 2:00 مساءاً
484 مشاهدة
مشاركة

** محل المسح على الخفين على ظاهرهما عند الحنفية والحنابلة لحديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما) [ت 98، وصححه الألباني] وقول علي -رضي الله عنه-: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى من أعلاه، ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه) [د 162، وصححه الألباني] ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على أسفل الخف.

وأما حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله) [ت 97، جه 550، وضعفه الألباني] فهو ضعيف لأن في إسناده انقطاعا، وقد ضعفه الإمام أحمد والبخاري وأبو زرعة وأبو داود والترمذي وابن حجر وابن القيم وغيرهم من أئمة الحديث، وقد استدل بهذا الحديث من يرى مسح الخف أعلاه وأسفله كما هو مذهب المالكية والشافعية، فإنهم يذهبون إلى استحباب وجوب مسح الظاهر، واستحباب مسح الباطن.

وقول علي -رضي الله عنه- (لو كان الدين بالرأي) ليس معناه أن الدين يخالف العقل، ولكن معناه ظاهر الرأي والعقل فإن الإنسان في باديء الأمر يتبادر إلى ذهنه مسح أسفل الخف ولكن صريح العقل، وعند التأمل نجد أن مسح أعلى الخف هو مقتضى العقل؛ لأن المسح يراد به التنقية، ومسح أسفل الخف يزيد من التلويث.


** اختلف العلماء في المسح على العمائم، على قولين:

القول الأول: وهو المشهور من مذهب الحنابلة والظاهرية وفقهاء أهل الحديث أنه يجوز المسح على العمامة، واستدلوا بما يأتي: 

1- عن عمرو بن أمية -رضي الله عنه- قال: (رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح على عمامته وخفيه) [خ 205]، وقد قال الإمام أحمد: "هذا من خمسة أوجه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" أي ورد عن خمسة من الصحابة لكل واحد منهم طريق منفرد أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته.

2- عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين) [م 274] 

3- عن كعب بن عجرة عن بلال -رضي الله عنهما-: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار) [م 275، وأعله الدارقطني بالاختلاف على الأعمش، لكن له شواهد، ينظر: الأحاديث المنتقدة على الصحيحين 1/102] والمراد بالخمار -كما في النهاية- العمامة، فشببها بما تضعه المرأة على رأسها.

4- قال ابن المنذر: "مسح على العمامة أبو بكر، وبه قال عمر وأبو أمامة وأنس". [مصنف عبد الرزاق 738] 

القول الثاني: وهو مذهب الجمهور، أن المسح على العمامة لا يجوز، وعند المالكية لا يجوز المسح على العمامة إلا إذا خيف بنزعها ضرر، واختار الشافعية أنه إن مسح بعض الرأس مع العمامة أجزأه، فالأصل مسح الرأس، واستدل الجمهور بما يأتي: 

1- أن النبي إنما مسح عمامته مع ناصيته، فلم يكتف بالعمامة، فالأصل مسح الرأس، وأما المسح على العمامة فهو على سبيل الاستحباب، كما في حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين) [م 274]

وأجيب عنه بأن حديث المغيرة حادثة من النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن الأحاديث الأخرى مخرجها مختلف وهي تدل على أنه اقتصر على مسح العمامة.

2- أن الله تعالى قال {وامسحوا برؤوسكم} والمسح على العمامة ليس مسحا علي الرأس.

وأجيب بأن الله تعالى أمر بغسل الرجلين، وقد دلت السنة على المسح على الخفين، فهذا مثله.

3- عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال سألت جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن المسح على الخفين، فقال: "السنة يا ابن أخي، قال وسألته عن المسح على العمامة: فقال: أمس الشعر الماء" [ت 102، والأثر قال عنه الشيخ العودة إسناده صحيح، وصححه الألباني] 

وأجيب بأنه معارض بمن جوزه من الصحابة غيره وهم كثير منهم أبو بكر وعمر وأنس وأبو موسى الأشعري وغيرهم -رضي الله عنهم-، وأقل ما يقال هنا أن أقوال الصحابة إذا تعارضت تساقطت.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "العلماء فيها على ثلاثة أقوال: منهم من يقول: الفرض سقط بمسح ما بدا من الرأس، والمسح على العمامة مستحب، وهذا قول الشافعي وغيره، ومنهم من يقول بل الفرض سقط بمسح العمامة، ومسح ما بدا من الرأس كما في حديث المغيرة هل هو واجب لأنه فعله في حديث المغيرة، أو ليس بواجب لأنه لم يأمر به في سائر الأحاديث؟ على روايتين، وهذا قول أحمد المشهور عنه، ومنهم من يقول: بل إنما كان المسح على العمامة لأجل الضرر، وهو ما إذا حصل بكشف الرأس ضرر من برد ومرض، فيكون من جنس المسح على الجبيرة" [مجموع الفتاوى 21/188، الموسوعة الكويتية 37/256]


** هل يشترط في العمامة أن يلبسها على طهارة؟

القول الأول: وهو المشهور من مذهب الحنابلة أنه يشترط ذلك قياسا على الخفاف والجوارب.

القول الثاني: أنه لا يشترط ذلك، وهو مذهب ابن حزم ووجهه شيخ الإسلام ابن تيمية وحكاه غير واحد رواية عن الإمام أحمد، واستدلوا بالفرق بين العمائم وبين الخفين، فإن العمائم يكثر خلعها ونزعها فكان قياسها على الخف قياسا مع الفارق. [الفروع 1/165، الإنصاف 1/172] 


** هل يشترط في العمامة التوقيت؟ 

المشهور من مذهب الحنابلة أن توقيت المسح على العمامة كتوقيت المسح على الخفين، وذهب الظاهرية إلى أنه لا توقيت في المسح على العمامة، لأنه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه وقتها، ولأن طهارة العضو التي هي عليه أخف من طهارة الخف، فلا يمكن إلحاقها بالخف في مسألة التوقيت، وهذا هو الأقرب.


** هل يجوز للمرأة أن تمسح على خمارها؟ فيه خلاف بين العلماء: 

القول الأول: أنه لا يجوز لها ذلك، وهو مذهب الجمهور، واستدلوا بالأدلة التي سبقت في المسح على العمامة.

القول الثاني: أنه يجوز لها ذلك، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، وهو مذهب الظاهرية، واستدلوا بما يأتي: 

1- عن كعب بن عجرة عن بلال -رضي الله عنهما-: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار) [م 275] والمراد بالخمار -كما في النهاية- العمامة، فشببها بما تضعه المرأة على رأسها، ولكن هذا التشبيه يدل على أن المرأة تمسح على خمارها.

2- أثر الحسن عن أم سلمة -رضي الله عنها-: "أنها كانت تمسح على الخمار" [مصنف ابن أبي شيبة 249]

لكن اشترط الحنابلة أن تكون مدارة تحت الحلق، لأن ما لم يكن كذلك لا مشقة في نزعه.

القول الثالث: وهو ما مال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية أن لها المسح إذا خافت البرد أو احتاجت لذلك كأن يكون في نزعه مشقة، فقال: "إن خافت المرأة من البرد ونحوه مسحت على خمارها، فإن أم سلمة كانت تمسح خمارها، وينبغي أن تمسح مع هذا بعض شعرها، وأما إذا لم يكن بها حاجة إلى ذلك ففيه نزاع بين العلماء" [مجموع الفتاوى 21/218]،

والقول الثالث هو الأقرب، لقياسه على المسح على العمامة، والمدار هنا على مشقة النزع كالعمامة لا على كونه مدارا تحت الحلق.

** لو كان الرأس ملبدا بحناء أو عسل أو نحو ذلك فيجوز المسح عليه في الطهارة الصغرى على الصحيح، لأنه ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان في إحرامه ملبدا رأسه [خ 1540، م 1184]، وقد مكث -صلى الله عليه وسلم- محرما خمسة عشر يوما.

والتلبيد: أن يجمع شعر رأسه على هامته ، ويشده بصمغ أو غيره، وقال ابن قدامة: "طلي رأسه بعسل أو صمغ؛ ليجتمع الشعر ويتلبد، فلا يتخلله الغبار، ولا يصيبه الشعث".

وأجاز المالكية المسح على التلبيدة، ومنعوا من المسح على الحناء إلا لضرورة، وأجاز الشافعية المسح على الرأس الملبد بالحناء إذا كان جزء من رأسه مكشوفا، وهذا على أصلهم في أن الواجب مسح ثلاث شعرات من الرأس. 


[المدونة 1/124، مواهب الجليل 1/206، المجموع 1/430، المبسوط 4/33، المغني 3/300، الشرح الممتع 1/196]