الإثنين 12 ربيع الأول 1446
خروج شيء من أحد السبيلين
الثلاثاء 12 أبريل 2022 2:00 مساءاً
504 مشاهدة
مشاركة

** الخارج من السبيلين إذا كان على الوجه المعتاد كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح، فهذا ينقض الوضوء بالنص والإجماع، ودليله ما يأتي: 

1- قوله تعالى {أو جاء أحد منكم من الغائط} 

2- حديث صفوان بن عسال -رضي الله عنه- قال: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا إذا كنا سَفَرَا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط ونوم وبول) [حم 17625، ت 96، ن 126، جه 478، وحسنه الألباني] 

3- حديث أبي هريرة وعبد الله بن زيد -رضي الله عنهما- مرفوعا: (لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) [خ 137، م 362] 

4- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ) [خ 135، م 225]

5- نقل الإجماع صاحب المغني، وقال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن خروج الغائط من الدبر وخروج البول من ذكر الرجل وقبل المرأة وخروج المذي وخروج الريح من الدبر أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة، ويوجب الوضوء" [المغني 1/111] 


** صاحب الحدث الدائم كمن به سلس بول والمستحاضة، اختلف فيه العلماء على أقوال: 

القول الأول: وهو مذهب الشافعية أن من حدثه دائم فإنه يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة مفروضة، وإذا توضأ لهذه الصلاة مفروضة فإنه يصلي بهذا الوضوء الفرض وما شاء من النوافل، فإذا أراد أن يصلي صلاة أخرى مفروضة فإنه يتوضأ مرة أخرى. 

القول الثاني: وهو مذهب الحنفية والحنابلة أنه لا يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة، وإنما يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة، فيجب عليه إذا دخل الوقت أن يتوضأ ويصلي ما شاء من الفروض والنوافل، فإذا جاء وقت الصلاة الثانية فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويصلي ما شاء من الفروض والنوافل. 

القول الثالث: وهو مذهب المالكية واختيار شيخ الإسلام كما في الاختيارات الفقهية، على أنه في مجموع الفتاوى رجح قول الجمهور. ومذهب المالكية أنه يجب عليه أن يتوضأ، لكن لا ينتقض وضوءه إلا بحدث آخر غير الحدث الدائم، فالذي يخرج منه بول دائم لا يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة، لكن لو خرج منه ريح، فيجب عليه أن يتوضأ بسبب الريح.

واستثنوا من ذلك مسألة: وهي ما إذا كان حصول الحدث في الوقت أمر يسير، يعني أن غالب الوقت لا يخرج منه شيء، ويخرج منه في وقت يسير فيجب عليه الوضوء، واستدلوا بأن طهارة من كان به حدث دائم لا ترفع الحدث، وإذا كان كذلك فطهارته مستحبة لا واجبة، وبقياس دم الاستحاضة على دم العرق، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الاستحاضة إنها عرق.

القول الرابع: وهو مذهب ابن حزم أنه يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة، فرضا كانت أم نفلا، خرج الوقت أم لم يخرج.

ومنشأ الخلاف في هذه المسألة ما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي) قال -يعني هشام-: وقال أبي -يعني عروة بن الزبير-: (ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) [خ 228]

فهذه الزيادة وهي الأمر بالوضوء عند كل صلاة، اختلف العلماء في صحتها، فصححها الحافظ ابن حجر، وضعفها الإمام مسلم، حيث روى حديث عائشة ثم قال: "وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره"، وضعفها أيضا النسائي والبيهقي وابن رجب في شرحه للبخاري.

فحجة من قال بصحتها ما قاله الحافظ: "وادعى بعضهم أن هذا معلق، وليس بصواب، بل هو بالإسناد المذكور عن محمد عن أبي معاوية عن هشام، وقد بين ذلك الترمذي في روايته، وادعى آخر أن قوله: ثم توضيء من كلام عروة موقوفا عليه، وفيه نظر، لأنه لو كان كلامه لقال: ثم تتوضأ بصيغة الإخبار، فلما أتى به بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع وهو قوله: فاغسلي" [الفتح 1/332، وانظر 1/409، وانظر الإرواء 1/146، 224] 

وحجة من قال بضعفها أن الحديث ورد على أوجه، فأكثر الطرق لم تذكر زيادة الأمر بالوضوء لكل صلاة، وبعض الطرق جاءت بالأمر بالوضوء مطلقا بلفظ (فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي) [ن 364]، وهذا لا يقتضي التكرار إذ تكفي المرة الواحدة في امتثاله، وبعض الطرق جاءت بالأمر بالوضوء لكل صلاة، وهذه الطرق منها ما جاءت بالتصريح بالوقف على عروة بن الزبير، ومنها ما جاءت بالتصريح بالرفع وهي الأقل، ومنها المحتملة، وهذا الاختلاف يقتضي ضعف رفع هذه الزيادة، لا سيما مع مخالفة الأثبات أمثال مالك ووكيع ويحي بن سعيد وابن عيينة الذين لم يذكروا هذه الزيادة مطلقا، ولهذا قال الحافظ ابن رجب: "أحاديث الوضوء لكل صلاة قد رويت من وجوه متعددة، وهي مضطربة ومعللة"

ومما يؤيد كون الزيادة موقوفة أن هشام بن عروة قال (قال أبي)، وهو لم يرو الحديث عن غير أبيه حتى يقال إنه قال هذه اللفظة ليفصل روايته عن أبيه عن روايته عن غير أبيه، فإذا كان لم يرو هذا الحديث عن غير أبيه، ثم ساق الحديث وفصل بقوله (قال أبي)، دل هذا على أن ما بعده ليس من سياق الحديث، وإنما هو من كلام عروة.

وقد كان شيخنا ابن عثيمين رحمه الله يرجح قول الحنابلة، لكنه رجع إلى قول المالكية لأنه أرفق بالناس، ولتضعيفه الزيادة التي وردت في الحديث، وقول الجمهور أحوط، لأن جل الآثار عن الصحابة والتابعين تقضي بأن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، ولأن الوضوء لكل صلاة ليس فيه مشقة غالبا، فمن حصلت له مشقة أفتي بمذهب المالكية. [الفتاوى الكبرى 5/306، مجموع الفتاوى 21/221، المغني 1/247، الموسوعة الكويتية 25/187]


** إذا خرج غير البول والغائط من بقية البدن كالدم والقيح والريح، ففيه خلاف بين العلماء:

القول الأول: وهو مذهب الحنفية والظاهرية أنه ناقض للوضوء مطلقا، واستدلوا بما يأتي: 

1- أنه نجس خرج من البدن فينقض الوضوء، كخروج دم الاستحاضة، فإنه دم عِرق، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالوضوء منه.

وأجيب عنه بأن تعليل النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه دم عرق لبيان أن المستحاضة تصلي، لا لبيان علة أمرها بالوضوء، على أن الأمر بالوضوء عند كل صلاة فيه خلاف كما سبق.

2- حديث تميم الداري -رضي الله عنه- مرفوعا: (الوضوء من كل دم سائل) [قط 1/157، وضعفه الدارقطني فقال: "عمر بن عبد العزيز لم يسمع من تميم الداري ولا رآه ويزيد بن خالد ويزيد بن محمد مجهولان"]

القول الثاني: وهو مذهب الحنابلة، وهو التفصيل فما كان طاهرا كالريح فلا ينقض الوضوء، وما كان نجسا فإنه ينقض إذا كان كثيرا.

القول الثالث: وهو مذهب المالكية والشافعية واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا ينتقض الوضوء بخروج هذه الأشياء، واستدلوا بعدم الدليل على النقض، وبأن المسلمين كانوا يصلون في جراحاتهم كما سيأتي. [المحلى 1/216، الفروع 1/176، المجموع 2/9]