الإثنين 12 ربيع الأول 1446
أكل لحم الإبل
الثلاثاء 12 أبريل 2022 2:00 مساءاً
456 مشاهدة
مشاركة

** اختلف العلماء في انتقاض الوضوء بأكل لحم الإبل على قولين:

القول الأول: أنه ناقض للوضوء، وهذا مذهب أهل الحديث قاطبة وكثير من الصحابة، وهو مذهب الإمام أحمد واختاره النووي والبيهقي وابن خزيمة، واستدلوا بما يأتي:

1- عن جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم فتوضأ من لحوم الإبل، قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم، قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا) [م 360]

2- عن البراء بن عازب قال: (سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: توضئوا منها، وسئل عن الوضوء من لحوم الغنم، فقال لا تتوضئوا منها) [حم 18067، ت 81، د 184، جه 487]

القول الثاني: أنه ليس بناقض للوضوء، وهذا مذهب جمهور أهل العلم، ونسبه بعضهم إلى الخلفاء الأربعة، لكن خطأ شيخ الإسلام ابن تيمية في القواعد النورانية الفقهية من نسب إليهم القول بذلك، وقال إن هذا القول غلط عليهم فإنهم يقولون بترك الوضوء مما مست النار، وأصحاب هذا القول استدلوا بأدلة منها:

1- حديث جابر -رضي الله عنه-: (كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار) [ن 185، د 192، وصححه الألباني] وهذا عام يشمل الإبل وغيرها.

2- حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الوضوء مما خرج لا مما دخل) [قط، هق، وقال في التلخيص: "وفيه الفضيل بن المختار وشعبة مولى ابن عباس ضعيفان"]

والراجح هو القول الأول لما يأتي:

1- حديث جابر عام، وما ورد في نقض الوضوء بلحم الإبل خاص، والخاص مقدم على العام، ولا يقال إن حديث جابر ناسخ، لأن النسخ لابد فيه من شرطين: معرفة التاريخ، وعدم إمكان الجمع، والتاريخ هنا متعذر معرفته، والجمع ممكن.

2- حديث جابر بن سمرة نفسه فيه التخيير في الوضوء من لحم الغنم (إن شئت) وفيه الأمر بالوضوء من لحم الإبل، وهذا يشير إلى أن هذا الأمر كان بعد ترك الوضوء مما مست النار.

3- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فرق في حديث جابر -رضي الله عنه- بين الغنم والإبل في الوضوء والصلاة في المعاطن، وقد أخذ الجمهور بجزء النهي عن الصلاة في أعطان الإبل وإن كانوا قد حملوه على الكراهة، فإذا لم يكن منسوخا فالوضوء من أكل لحمه كذلك. [مجموع الفتاوى 21/262]

4- أن لحم الإبل ينقض الوضوء لكونه لحم إبل لا لكونه ممسوسا بنار، لكن كان النقض بمطبوخه لعلتين زالت إحداهما وبقيت الأخرى. [انظر زاد المعاد 4/376]

** هل هذا الحكم مختص باللحم فقط أم هو عام في كل أجزاء الإبل، كالكرش والكبد والطحال والمصران وغيره؟ فيه خلاف بين العلماء على قولين: 

القول الأول: أن هذا مختص باللحم، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، واستدلوا بما يأتي:

1- أن هذه الأشياء لا تدخل تحت اسم اللحم، بدليل أنك لو أمرت أحدا أن يشتري لك لحما، واشترى كرشا لأنكرت عليه، فيكون النقض خاصا باللحن الذي هو الهبر.

2- أن الأصل بقاء الطهارة، ودخول غير الهبر دخول احتمالي، واليقين لا يزول بالشك والاحتمال.

3- أن النقض بلحم الإبل أمر تعبدي، لا تعرف حكمته، وإذا كان كذلك فإنه لا يمكن قياس غير الهبر على الهبر.

القول الثاني: أنه لا فرق بين الهبر وبين غيره وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو الأقرب، واستدلوا بما يأتي:

1- أن اللحم في لغة الشرع يشمل جميع الأجزاء بدليل قوله تعالى {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} فلحم الخنزير يشمل كل ما في جلده بل حتى الجلد.

2- أن في الإبل أجزاء كثيرة قد تقارب الهبر، ولو كانت غير داخلة لبين الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لعلمه أن الناس يأكلون الهبر وغيره.

3- أنه ليس في شريعة النبي -صلى الله عليه وسلم- حيوان تتبعض أجزاؤه حلا وحرمة، وطهارة ونجاسة، وسلبا وإيجابا، وإذا كان كذلك فلتكن جميع أجزاء الإبل واحدة.

4- أن النص يتناول بقية الأجزاء بالعموم المعنوي، إذا لا فرق بين الهبر وبين غيره، لأن الكل يتغذى بدم واحد، وطعام واحد، وشراب واحد.

5- عن أسيد بن حضير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (توضؤا من ألبان الإبل) [حم 18618، جه 489، وفي سنده الحجاج بن أرطأة مدلس وقد عنعنه، وضعفه الألباني] وفي الطبراني الكبير عن سمرة السوائي عن أبيه قال: (سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت إنا أهل إبل وماشية فهل نتوضأ من لحوم الإبل وألبانها؟ قال نعم) [طب 7106، وحسنه الهيثمي في المجمع 1/250] وإذا دلت السنة على الوضوء من ألبان الإبل، فإن هذه الأجزاء التي لا تنفصل عن الحيوان من باب أولى.

** هل يجب الوضوء من شرب لبن الإبل؟ المشهور من مذهب الحنابلة أنه لا يجب، والرواية الثانية أنه يجب، وظاهر حديث أسيد بن حضير السابق يدل على الوجوب، لكن الصحيح أنه مستحب، وذلك من ثلاثة وجوه:

الأول: أن الأحاديث الكثيرة الصحيحة واردة في الوضوء من لحوم الإبل، أما الوضوء من ألبانها فقد وردت بأسانيد فيها ضعف.

الثاني: ما رواه أنس -رضي الله عنه- في قصة العرنيين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم أن يلحقوا بإبل الصدقة ويشربوا من أبوالها وألبانها، ولم يأمرهم أن يتوضؤا من ألبانها مع أن الحاجة داعية إلى ذلك، فدل على أن الوضوء منها مستحب، وحدث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض وسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من أبوالها وألبانها! فقالوا بلى، فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها، فصحوا فقتلوا الراعي وطردوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبعث في آثارهم، فأدركوا فجيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا) [خ 233، م 1671]

الثالث: أن شرب لبن الإبل أكثر من أكل لحمه بين الناس، خاصة في العهد الأول، ولو كان الوضوء من شرب لبنه واجبا لكانت الأحاديث فيه متكاثرة صراحة وصحة. 

** هل يجب الوضوء من المرق؟ المشهور من مذهب الحنابلة أنه غير واجب ولو ظهر طعم اللحم، لأنه لم يأكل اللحم، وفيه وجه للأصحاب وقيل هو رواية أنه يجب الوضوء، لوجود الطعم في المرق، كما لو طبخنا لحم خنزير فإن مرقه حرام، وهذا تعليل قوي، والأحوط أن يتوضأ.

** الحكمة من الوضوء من لحم الإبل:

1- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر بذلك، وكفى بذلك حكمة.

2- أن الإبل فيها قوة شيطانية، فإذا تغذى على لحم الإبل حصل له من تلك القوة الشيطانية؛ لأن الغاذي شبيه بالمتغذي، ولهذا حرم الشارع كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير؛ لأنها دواب عادية، فالاغتذاء بها يجعل في طبيعة المغتذي العدوان، فإذا تغذى على لحوم الإبل وفيها تلك القوة الشيطانية، حصل له شيء منها، والشيطان خلق من نار، والنار تطفأ بالماء، فلهذا أمر العبد بالوضوء من لحوم الإبل لتزول تلك المفسدة.

وهذا نظير ما جاء في حديث عطية بن عروة -رضي الله عنه- مرفوعا: (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) [حم 18268، د 4784، وضعفه النووي، وضعفه الألباني]

ومثله ما جاء في الأمر بالوضوء مما مست النار، وهذا الأمر إما إيجابا منسوخا، وإما استحبابا غير منسوخ، كما سيأتي. 

ويدل على الطبيعة الشيطانية في الإبل أحاديث منها:

1- عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: (سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوضوء من لحوم إبل فقال توضئوا منها، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا فيها فإنها من الشياطين، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: صلوا فيها فإنها بركة) [حم 18067، 20018، د 184، وصححه الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، وابن تيمية، وابن كثير، وقال ابن خزيمة: "لم أر خلافا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه"، وصححه الألباني، ينظر: صحيح ابن خزيمة 1/21، المجموع شرح المهذب 2/65، شرح عمدة الفقه لابن تيمية 1/329، 428] 

2- وعن أبي لاسٍ الخزاعي -أحد الصحابة رضي الله عنه- قال: (حملنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إبل من إبل الصدقة ضعاف إلى الحج، فقلنا له يا رسول الله: إن هذه الإبل ضعاف نخشى أن لا تحملنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما من بعير إلا في ذروته -أي أعلاه- شيطان، فاركبوهن واذكروا اسم الله عليهن، كما أمرتم ثم امتهنوهن -أي استخدموهن- لأنفسكم، فإنما يحمل الله عز وجل) [حم 17480، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، والأرنؤوط، وفيه محمد بن إسحاق وقد صرح بالتحديث، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث ثقة له أفراد، وعمر بن الحكم بن ثوبان صدوق، فالذي يظهر أن الحديث حسن] 

3- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (ألا إن الإيمان يمان والحكمة يمانية، وأجد نفس ربكم من قبل اليمن، ألا إن الكفر والفسوق وقسوة القلب في الفدادين أصحاب الشعر والوبر، الذين يغتالهم الشياطين على أعجاز الإبل) [حم 10595، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: "صحيح دون قوله (وأجد نفس ربكم من قبل اليمن) وفيه نكارة فقد تفرد به شبيب -وهو ابن نعيم-، وشبيب هذا روى عنه أربعة منهم اثنان فيهما جهالة حال، ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان وباقي رجال الإسناد ثقات"]