** اختلف العلماء في إسلام الكافر -الأصلي والمرتد- هل هو من موجبات الغسل، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وهو مذهب المالكية والحنابلة أن إسلام الكافر من موجبات الغسل، واستدلوا بما يأتي:
1- حديث قيس بن عاصم -رضي الله عنه-: (أنه أسلم، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يغتسل بماء وسدر) [حم 20088، د 355، ت 605، وصححه الألباني] والأصل في الأمر الوجوب.
وهذا الحديث معلول بالانقطاع، فأكثرهم على روايته من طريق خليفة بن حصين بن قيس عن جده قيس بن عاصم، وجاء في بعض الطرق عن خليفة بن حصين عن حصين عن قيس، فإن كان خليفة يرويه عن جده فهو منقطع، وإن كان يرويه عن أبيه عن جده، فإن أباه مجهول، ولهذا قال أبو حاتم في العلل: "أخطأ قبيصة في هذا الحديث، إنما هو الثورى عن الأغر عن خليفة بن حصين عن جده قيس أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه أبوه" [العلل 1/24]، وقال ابن القطان: "فإذ لابد في هذا الإسناد من زيادة حصين بن قيس بين خليفة وقيس، فالحديث ضعيف فإنها زيادة عادت بنقص، فإنها ارتفع بها الانقطاع وتحقق ضعف الخبر، فإن حاله مجهولة بل هو في نفسه غير مذكور ولم يجر له ذكر في كتابي البخاري وابن أبي حاتم إلا غير مقصود برسم يخصه" [بيان الوهم والإيهام 2/428، وانظر موسوعة أحكام الطهارة 11/114]
2- قصة ثُمامة بن أُثال عندما أسلم وأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يغتسل، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (أن ثمامة بن أثال أو أثالة أسلم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل) [حم 7977، قال الأرنؤوط: "حديث قوي، وهذا إسناد ضعيف"، رواه عبد الرزاق في المصنف 6/9]
والمحفوظ ما في الصحيحين أنه اغتسل من نفسه، وليس فيهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بالاغتسال، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) [خ 462، م 1764]
2- أنه طهر باطنه من نجس الشرك فمن الحكمة أن يطهر ظاهره بالغسل.
القول الثاني: أنه لا يجب الغسل مطلقا بل يستحب، وهو مذهب الحنفية، وقول للمالكية والحنابلة، واستدلوا بما يأتي:
1- قوله تعالى {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}.
2- حديث عمرو بن العاص في قصة إسلامه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: (أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله) [م 121]
وأجيب بأن المقصود هو غفران الذنوب.
3- عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: (بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) [خ 1395، م 19] ولم يذكر له الغسل.
وأجيب بأنه كما لم يذكر الغسل فلم يذكر الوضوء للصلاة، وهذا لا يعني أن الوضوء غير واجب بالاتفاق.
4- أنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر عام مثل: من أسلم فليغتسل، وما أكثر الصحابة الذين أسلموا، ولم ينقل أنه أمرهم بالغسل.
القول الثالث: أنه إن حصل للكافر موجب من موجبات الغسل حال كفره كالجنابة مثلا وجب عليه الغسل سواء اغتسل منها أم لا، وإن لم يحصل له موجب لم يجب عليه الغسل، وهذا مذهب الشافعية، وأما كونه اغتسل من الجنابة مثلا حال شركه فلا يؤثر لأنه لا بد من النية والقصد.
ورد بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يسأل من أسلم هل أتيت بموجب للغسل أم لم تأت، ولو كان الغسل واجبا في هذه الحال لبينه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
والذي يظهر والعلم عند الله أن القول الثالث هو أقرب الأقوال، وأما ما رد به على كلام أصحاب القول الثالث فالذي يظهر أنه غير مسلّم، لأنه يمكن معرفة هل أتى الكافر بموجب من موجبات الغسل أم لم يأت بسهولة، فإذا كان بالغا أو متزوجا فالغالب أنه أتى بموجب من موجبات الغسل، لأن البلوغ يجمع ثلاث موجبات وهي خروج المني والحيض والنفاس، والزواج يجمع موجبا واحدا وهو الجماع، فلا يبقى إلا الموت وإسلام الكافر، فيمكن معرفة هل أتى الكافر بموجب أم لم يأت، وأما إن كان غير بالغ ولا متزوج فالأمر بعيد أن يكون قد أتى بموجب من موجبات الغسل، وهذا القول هو أقرب الأقوال، لأن دليل الحنفية وهو أن هذا الأمر غير منتشر ولو كان واجبا لانتشر دليل قوي، والله أعلم.