الأحد 4 ربيع الأول 1446
قراءة القرآن
الخميس 14 أبريل 2022 2:00 مساءاً
451 مشاهدة
مشاركة

** اختلف العلماء في قراءة القرآن للمحدث حدثا أكبر على قولين: 

القول الأول: أنه لا يجوز للمحدث حدثا أكبر أن يقرأ القرآن، وهذا مذهب الجمهور، واستدلوا بما يأتي:

1- حديث علي -رضي الله عنه-: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه -أو قال يحجزه- عن القرآن شيء ليس الجنابة) [حم 1014، ت 146، ن 265، د 229، 587، صححه ابن خزيمة والبغوي وابن سكن، وحسنه ابن حبان والحافظ في الفتح وأحمد شاكر، وضعفه الشافعي والنووي والألباني، قال الحافظ ابن حجر: "حديث علي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان، وضعف بعضهم بعض رواته والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة" فتح الباري 1/408]، والاستدلال بهذا فيه نظر لأن هذا مجرد فعل لا يدل على الوجوب.

2- حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن) [ت 131، جه 596، والحديث من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وهي ضعيفة، قال الحافظ في الفتح 1/409: "وأما حديث بن عمر مرفوعا لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن فضعيف من جميع طرقه"، وقال ابن تيمية: "حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث" مجموع الفتاوى 21/460] 

3- عن علي -رضي الله عنه- قال: (رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن، ثم قال هذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا ولا آية) [حم 874، ورواه أبو يعلى في مسنده برقم 365، وقال المحقق: "إسناده قوي"، قلت: في سند أحمد وأبي يعلى: عائذ بن حبيب وأبو الغريف قال الحافظ عن كل واحد منهما: "صدوق رمي بالتشيع" فظاهر الإسناد أنه حسن، لكن ضعفه الألباني في تمام المنة (ص 117) فقال: "فإن لهذه الطريق علتين: الضعف، والوقف"، وقد ضعفه بأبي الغريف، فهو عنده ضعيف، أما وقفه فسيأتي من كلام الزيلعي، وقال الهيثمي في المجمع (1/276): "ورجاله موثقون"، وقال في نصب الراية (1/195): "... ولكن الدارقطني رواه في سننه موقوفا بغير هذا اللفظ ... قال كنا مع علي رضي الله عنه في الرحبة، فخرج إلى أقصى الرحبة فوالله ما أدري أبولا أحدث أم غائطا، ثم جاء فدعا بكوز من ماء فغسل كفيه ثم قبضهما إليه، ثم قرأ صدرا من القرآن ثم قال اقرؤوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة، فإن أصابه فلا ولا حرفا واحدا انتهى، قال الدارقطني هو صحيح عن علي انتهى" ا.هـ] 

4- حديث المهاجر بن قنفذ: (أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه، فقال: إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر أو قال على طهارة) [حم 18555، جه 344، د 17، وصححه الألباني] ولم يكن -صلى الله عليه وسلم- متوضأ والقرآن أشرف الذكر، والاستدلال بهذا كالاستدلال بسابقه.

5- أنه روي أن الملك يتلقف القرآن من فم القاريء [رواه البزار، وقال المنذري بإسناد حسن، لا بأس به]، وأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب [حم 609، د 4152، ن 261 من حديث علي -رضي الله عنه-، والحديث استدل به شيخ الإسلام ابن تيمية كما الفتاوى الكبرى 1/445. وضعفه الألباني]، وعلى هذا إذا قرأ القرآن فإما أن يحرم الملك من تلقف القرآن أو يؤذيه بجنابته، وهذا وإن كان فيه شيء من الضعف لكن يعلل به.

6- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "كان يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب" [المصنف 1307، ورجاله ثقات]

وأجيب أن الصحابة اختلفوا في هذه المسألة.

7- أن في الجنب من قراءة القرآن حثا على المبادرة إلى الاغتسال، لأنه إذا علم أنه ممنوع من قراءة القرآن حتى يغتسل، فسوف يغتسل فيكون في ذلك مصلحة.

القول الثاني: وهو مذهب ابن عباس -رضي الله عنهما- ومذهب البخاري وابن حزم، أنه يجوز للحائض والجنب قراءة القرآن، واستدلوا بما يأتي:

1- ما ثبت في حديث أبي سفيان الطويل في كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل الروم، وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب في الكتاب: (ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)، ووجه الدلالة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب هذه الآية إلى هرقل الكافر.

وأجيب بأنه كتب ما تدعو الضرورة إليه للتبليغ، وبأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكتبها على أنها من القرآن بدليل أنه كتبها (ويا أهل الكتاب)، وأيضا فإنه من المعلوم أن هرقلا لن يميز الآية من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل كله كتاب واحد، وإذا قرأ الآية لا بنية القرآن فلا يعتبر أنه قد قرأ القرآن، كما لو قال شخص: بسم الله الرحمن الرحيم، أو قال: الحمد لله، ولم ينو بذلك التلاوة لم تعتبر تلاوة للقرآن الكريم.

2- أن الأصل عدم وجوب الطهارة من الحدث الأكبر لقراءة القرآن.

3- أن هذا الأمر مما حاجة الأمة إلى هذا الحكم حاجة عظيمة، فإنه يقع لهم ذلك في حياتهم كل يوم، ومن المعلوم أنه ليس فيه سنة واضحة صحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

القول الثالث: وهو مذهب المالكية واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، أنه يجوز للحائض قراءة القرآن دون الجنب، لأنه ليس في منع الحائض من القراءة نصوص صريحة صحيحة وإذا كان كذلك فللحائض أن تقرأ القرآن مطلقا، ولا يصح قياسها على الجنب لأن الجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالاغتسال، وأما الحائض فليس باختيارها أن تزيل هذا المانع، وكذا الحائض مدتها تطول غالبا، والجنب لا تطول لأنه سوف تأتيه الصلاة ويلزم بالاغتسال، والنفساء من باب أولى أن يرخص لها لأن مدتها أطول من مدة الحائض. [مجموع الفتاوى 21/344، 21/460، 23/172]

** استماع القرآن جائز للمحدث حدثا أكبر، ولا يحرم على من لزمه الغسل استماع القرآن لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن ورأسه في حجري وأنا حائض) [خ 7549، م 301]