الأحد 4 ربيع الأول 1446
هل التيمم مبيح أم رافع للحدث
الأربعاء 11 مايو 2022 2:00 مساءاً
1517 مشاهدة
مشاركة

** هل التيمم مبيح لما تجب له الطهارة أم رافع للحدث؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين:

القول الأول: أنه مبيح لا رافع، وهذا مذهب المالكية والشافعية والمشهور من مذهب الحنابلة، واستدلوا بما يأتي:

1- عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- في حديث طويل: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شرب هو وأصحابه من مزادة امرأة مشركة، وأعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء المزادة، وقال: اذهب فأفرغه عليك) [خ 344، م 682] وهذا دليل على أن الحدث باق، لأنه احتاج إلى أن يزيله بالماء.

2- حديث أبي ذر -رضي الله عنه- مرفوعا: (إن الصعيد الطيب طَهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته، فإن ذلك خير) [حم 21058، د 333، ت 124 واللفظ له، ن 322، وصححه الألباني]، وقد ورد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (الصعيد وَضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشره، فإن ذلك خير) [البزار 17/309] والحديث مختلف في صحته، فصححه الترمذي والحاكم وأبو حاتم والنووي وابن دقيق العيد، وضعف ابن القطان رواية أبي ذر وصحح رواية أبي هريرة، لكن قال الدارقطني في العلل في رواية أبي هريرة إن إرساله أصح، ووجه الدلالة أنه يجب عليه أن يستعمل الماء عند وجوده مما يدل على أنه حدثه لم يرتفع.

3- عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: (احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يقل شيئا) [حم 17356، د 334، و أعله الإمام أحمد بالانقطاع، وقوى إسناده الحافظ في الفتح 1/454، وصححه الألباني] ووجه الدلالة أنه -صلى الله عليه وسلم- وصفه بأنه جنب وهذا دليل على أن التيمم لم يرفع حدثه.

4- إذا كان التيمم لا يرفع الحدث مع وجود الماء، فكذلك مع فقده.

القول الثاني: أن التيمم رافع للحدث، وهذا مذهب الحنفية وهو أحد القولين للمالكية ورواية عن الإمام أحمد، وقال الإمام أحمد: "هذا هو القياس"، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، واستدلوا بما يأتي:

1- قوله تعالى لما ذكر التيمم {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم}

2- حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- مرفوعا: (وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) [خ 335، م 521]

3- حديث أبي ذر -رضي الله عنه- مرفوعا: (إن الصعيد الطيب طَهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته) [سبق تخريجه قريبا] 

4- مفهوم حديث عمرو بن العاص السابق، فإنه لما صلى دل على أن حدثه ارتفع بالتيمم، لأنه لا يجوز للإنسان أن يصلي وهو جنب.

5- أنه بدل، والقاعدة الشرعية أن البدل له حكم المبدل، فكما أن الطهارة بالماء ترفع الحدث فكذلك طهارة التيمم.

6- أننا نقول ماذا تريدون بقولكم إن التيمم مبيح لا رافع، فإن كان قصدكم أن التيمم لا يرفع أسباب الحدث نفسها، كخروج الريح مثلا، فإن الوضوء أيضا لا يرفعه، لأنه سبب قد حصل، وإن كان قصدكم أن التيمم لا يرفع المانع الشرعي من التلبس بالعبادة، فهذا مردود بإباحة الشارع الصلاة للمتيمم، وإذا أبيحت الصلاة للمتيمم، فكيف نقول إن ما زال هناك مانع أو حدث.

والصحيح أن التيمم رافع للحدث، لكنه إذا وجد الماء فعليه أن يمسه بشرته للحديث، أما قوله -صلى الله عليه وسلم- لعمرو بن العاص صليت بأصحابك وأنت جنب، فقد ذكر الشنقيطي رحمه الله جوابين عن هذا الاستدلال:

1- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال له: (وأنت جنب) قبل أن يعلم عذره بخوفه الموت إن اغتسل.

2- أنه أطلق عليه اسم الجنابة نظرا لأنها لم ترتفع بالكلية.

وذكر بعض العلماء جوابا ثالثا وهو أن الرواية اختلفت، فقد جاء بسند صحيح: (أن عمرو بن العاص غسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ولم يذكر التيمم) [د 335، وصححه الألباني، والمعلق على زاد المعاد 3/388] وعلى هذا فقد صلى بأصحابه وهو جنب، لأن مجرد الوضوء لا يرفع الحدث الأكبر. [أضواء البيان 2/47]

والذي يظهر والعلم عند الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرد تقرير أنه جنب حقيقة، وأنه دخل الصلاة وهو جنب، ولكنه أراد أن يختبره ليعلم الأساس الذي بنى عليه صلاته، وليس في هذا كذب، بل هو كقول موسى للخضر {أقتلت نفسا زكية بغير نفس}، ثم رأيت ابن القيم قد ذكر نحو هذا الجواب فلله الحمد والمنة. [زاد المعاد 3/388، موسوعة الدبيان: التيمم 58] 

ويترتب على هذا الخلاف ما يأتي:

1- إذا قلنا إنه مبيح فإنه إذا نوى التيمم عن عبادة لم يستبح به ما فوقها، فإذا تيمم لنافلة لم يصل به فريضة لأن الفريضة أعلى، وإذا تيمم لمس المصحف لم يصل به نافلة، وإذا قلنا إنه رافع فإذا تيمم لنافلة جاز أن يصلي به فريضة.

2- إذا قلنا إنه مبيح فإذا خرج الوقت بطل لأن المبيح يقتصر فيه على قدر الضرورة، وإذا قلنا إنه رافع فلا يبطل التيمم بخروج الوقت.

3- إذا قلنا إنه مبيح اشترط أن ينوي ما يتيمم له، فلو نوى رفع الحدث فقط لم يرتفع، وعلى القول بأنه رافع لا يشترط ذلك.

4- إذا قلنا إنه مبيح، فإذا كان في البدن جرح لا ينبغي أن يمسه الماء، وكان على المكلف حدث أكبر، فإنه يغسل بدنه ويتيمم عن موضع الجرح، فإذا خرج الوقت بطل تيممه وبطل غسله، بخلاف ما لو قلنا إنه رافع.

5- إذا قلنا إنه رافع جاز له التيمم قبل الوقت ويصلي به ما شاء، وإذا قلنا إنه مبيح فإنه يتيمم بعد دخول الوقت.

وبهذا يعلم أن الخلاف بين القولين ليس لفظيا، وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض مواضع من الفتاوى إلى أن النزاع لفظي [مجموع الفتاوى 21/353، 404]، لكنه ذكر في موضع آخر نزاع العلماء واختار أن التيمم رافع [مجموع الفتاوى 21/436]، والذي يظهر أنه أراد في المواضع الأولى التي ذكر فيها أن النزاع لفظي، أراد إلزام الخصم بأن قولهم إن التيمم مبيح يلزم منه إباحة جميع الصلوات لا صلوات مخصوصة أو فريضة دون أخرى، ولهذا قال رحمه الله: "ثم من قال: التيمم مبيح لا رافع فإن نزاعه لفظي. فإنه إن قال: إنه يبيح الصلاة مع الجنابة والحدث وإنه ليس بطهور فهو يخالف النصوص، والجنابة محرمة للصلاة، فيمتنع أن يجتمع المبيح والمحرم على سبيل التمام فإن ذلك يقتضي اجتماع الضدين، والمتيمم غير ممنوع من الصلاة. فالمنع ارتفع بالاتفاق وحكم الجنابة المنع، فإذا قيل بوجوده -يعني الجنابة- بدون مقتضاها -وهو المنع- فهذا نزاع لفظي"