الأحد 22 جمادي الأولى 1446
حكم فاقد الطهورين
الأربعاء 11 مايو 2022 2:00 مساءاً
1003 مشاهدة
مشاركة

** إذا عدم الماء والصعيد، ويسمى فاقد الطهورين، كالمحبوس في مكان قذر لا يجد صعيدا طيبا ولا ماء يتوضأ منه، ومقطوع اليدين الذي لم يجد من ييممه أو يوضئه، والمصلوب، على أقوال:

القول الأول: أنه لا يصلي، بل يقضي الصلاة متى قدر على الطهارة، وهو مذهب الحنفية والثوري وقول في مذهب مالك، وقول عند الشافعية، وقال الحنفية: يجب عليه أن يتشبه بالمصلين احتراما للوقت، فيركع ويسجد إن وجد مكانا يابسا، وإلا فيومئ قائما، ويعيد الصلاة بعد ذلك، ولا يقرأ في صلاته، سواء أكان حدثه أصغر أم أكبر.

قال ابن عابدين: وظاهره أنه لا ينوي أيضا، لأنه تشبه بالمصلي وليس بصلاة، واستدلوا بما يأتي: 

1- قوله تعالى {فلم تجدوا ماء فتيمموا}، وهذا لم يجد التيمم فليس له بديل في الشرع.

2- حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعا: (لا تُقبل صلاة بغير طُهُور) [م 224]

وأجيب بأن هذه الأدلة في حال القدرة.

3- حديث عائشة -رضي الله عنها- السابق في ضياع عقدها وفيه: (فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا) [خ 334، م 367] ووجه الدلالة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصل هو ولا أصحابه عند فقد الماء حتى نزلت آية التيمم، فكذلك الحال إذا فقد الماء والتراب.

وأجيب عن هذا بما قاله الحافظ ابن رجب: "وأما توقفهم في التيمم حتى نزلت آية المائدة مع سبق نزول التيمم في سورة النساء، فالظاهر-والله أعلم- أنهم توقفوا في جواز التيمم في مثل هذه الواقعة، لأن فقدهم للماء إنما كان بسبب إقامتهم لطلب عقد أو قلادة، وإرسالهم في طلبها من لا ماء معه مع إمكان سيرهم جميعا إلى مكان فيه ماء، فاعتقدوا أن في ذلك تقصيرا في طلب الماء، فلا يباح معه التيمم، فنزلت آية المائدة مبينة جواز التيمم في مثل هذه الحال، وأن هذه الصورة داخلة في عموم آية النساء. ولا يستبعد هذا، فقد كان طائفة من الصحابة يعتقدون أنه لا يجوز استباحة رخص السفر من الفطر والقصر إلا في سفر طاعة دون الأسفار المباحة، ومنهم من خص ذلك بالسفر الواجب كالحج والجهاد، فلذلك توقفوا في جواز التيمم للاحتباس عن الماء لطلب شيء من الدنيا حتى بين لهم جوازه ودخوله في عموم قوله {فلم تجدوا ماء فتيمموا}" [فتح الباري لابن رجب 3/3]

القول الثاني: أنه يصلي الفرض فقط بحسب حاله ولا إعادة عليه، ولا يصلي النافلة؛ لأنه لا ضرورة إليها، فإن كانت عليه جنابة فلا يزيد على ما يجزئ في الصلاة من قراءة وغيرها، فلا يقرأ زائدا على الفاتحة، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، ومذهب ابن حزم، واختاره النووي والمزني من الشافعية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الراجح، واستدلوا بما يأتي: 

1- عن عائشة -رضي الله عنها-: (أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت، فأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ناسا من أصحابه في طلبها، فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه، فنزلت آية التيمم، فقال أسيد بن حضير جزاك الله خيرا، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجا وجعل للمسلمين فيه بركة) [خ 3773، م 367] والشاهد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمرهم بالإعادة حيث لم تنزل آية المائدة.

2- قول الله تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم} 

3- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) [خ 7288، م 1337]

4- أن الطهارة ليست شرطا في وجوب الصلاة، ولو كانت شرطا في وجوبها، لكانت الصلاة لا تجب حتى يتطهر، ولو تعمد ترك الطهارة لم تجب الصلاة عليه؛ لأن ما كان شرط وجوب فإن العبادة لا تجب إلا بوجوب هذا الشرط، كالحول في الزكاة، والإقامة في الجمعة، وشروط الوجوب لا يجب تحصيلها، فعلم أن الطهارة ليست شرطا للوجوب. 

القول الثالث: أنه يصلي الفرض فقط، ويعيد إذا قدر على الماء أو الصعيد، وهو مذهب الشافعية وقول عند الحنابلة، وقد نص الشافعية على أن فاقد الطهورين الذي به حدث أكبر لا يقرأ في الصلاة غير الفاتحة، واستدلوا على وجوب الصلاة بحديث عائشة -رضي الله عنها- الذي استدل به أصحاب القول الثاني، وعلى الإعادة بأدلة القول الأول.

وهذا القول ضعيف، فإن مقتضاه أن تؤدي العبادة مرتين، والله تعالى لم يأمر عباده بالعبادة إلا مرة واحدة ما لم يدل دليل على تكرارها، وأيضا فإذا كان الصلاة التي يصليها أول مرة عليه أن يعيدها، فما فائدة تلك الصلاة؟ 

القول الرابع: أنه لا يصلي ولا يعيد، فتسقط الصلاة عن فاقد الطهورين، وهذا القول هو مذهب المالكية وقول لبعض الظاهرية، واستدلوا بأن الصلاة تسقط عنه كالحائض، ولأن وجود الماء والصعيد شرط في وجوب أدائها، وقد عدم شرط الوجوب.

وأجيب بأن الحائض مكلفة بترك الصلاة، فالقياس مع الفارق، ووجود الماء ليس شرط وجوب كما سبق بيانه في أدلة القول الثاني. 


[المجموع 2/321، 375، المحلى 1/362، المبسوط 1/122، بدائع الصنائع 1/50، الإنصاف 1/281، التاج والإكليل 1/528، الفتاوى الكبرى 5/303، 310، الموسوعة الكويتية 32/191]