الأحد 4 ربيع الأول 1446
يجوز التيمم إذا عدم الماء حقيقة أو حكما
الأربعاء 11 مايو 2022 2:00 مساءاً
595 مشاهدة
مشاركة

أولا: إذا عدم الماء حقيقة

** أجمع العلماء على أن المسافر إذا عدم الماء وجب عليه التيمم للفريضة، وقد نقل الإجماع ابن رشد وابن تيمية وابن عبد الهادي وابن حزم وغيرهم، واختلف العلماء في الحاضر إذا لم يجد الماء على أقوال: 

القول الأول: أنه يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه، وهذ مذهب الجمهور، وهو الراجح، واستدلوا بما يأتي: 

1- عموم قوله تعالى {فلم تجدوا ماء فتيمموا} 

2- أن المريض المقيم يجوز له التيمم بالإجماع، فجوازه عند فقد الماء للمقيم جائز أيضا ولا فرق، لأن المرض فقد للماء حكما، وعدم الماء فقده حقيقة، والفقد الحقيقي أبلغ من الفقد الحكمي.

3- عن أبي الجهيم بن الحارث -رضي الله عنه- قال: (أقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- من نحو بئر جمل -موضع بالمدينة-، فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام) [خ 337، م 369 معلقا] وهذا تيمم في الحضر.

القول الثاني: أنه يتيمم ويصلي، ويعيد إذا وجد الماء، وهو المشهور من مذهب الشافعية ووجه عند الحنابلة، واستدلوا بأن هذا العذر نادر فيعيد.

القول الثالث: أنه لا يصلي حتى يجد الماء أو يسافر وهو أحد القولين عن الإمام مالك ورواية عن الإمام أحمد، واستدلوا بقوله تعالى {وإن كنتم مرضى أو على سفر} فاشترط إما المرض أو السفر.

وأجيب بأن الله تعالى ذكر الحدث الأصغر في قوله {أو جاء أحد منكم من الغائط} وهذا عام في السفر والحضر، أما ذكر السفر في الآية فلكونه مظنة فقد الماء، فإن فقد الماء في الحضر قليل، ونظير ذلك قوله تعالى {وإن كنتم على سفر فلم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة} وليس السفر شرطا للرهن.

** إذا وجد ماء يكفي بعض طهره، ففيه خلاف بين العلماء، مثاله: عنده ماء يكفي لغسل الوجه واليدين فقط فهل يجب عليه أن يستعمل الماء أولا ثم يتيمم ليصدق عليه أنه عادم للماء؟ 

القول الأول: أنه يتيمم ويدع الماء وهو مذهب الحنفية والمالكية والقول القديم للشافعي، واستدلوا بما يأتي:

1- قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} إلى قوله {فلم تجدوا ماء فيتمموا} فذكر الله وجوب أحد أمرين إما الماء أو التيمم، فإيجاب الماء والتيمم خلاف النص.

2- أن استعمال الماء كعدمه، فهو لا يؤثر في رفع الحدث، فاستعماله فيه إضاعة له.

3- أنه لو وجبت عليه كفارة يمين، ولم يجد الكسوة والرقبة ووجد ما يطعم به تسعة مساكين فإنه ينتقل إلى الصيام، ولا يؤمر بإطعام التسعة.

القول الثاني: أنه يجب عليه استعمال الماء ثم يتيمم عن الباقي، وهو المشهور من مذهب الشافعية والحنابلة واختيار ابن حزم، واستدلوا بما يأتي: 

1- قوله تعالى {فاتقوا لله ما استطعتم}

2- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم} [خ، م]

3- أنه واجد للماء، فلا يتيمم حتى يفرغ منه.

وأجيب عنه بأن المراد بالآية الماء المشروع الكافي لهذه الطهارة، وإلا فإن الماء الذي لا يكفي وجوده كعدمه.

القول الثالث: أنه إذا وجد ماء يكفي بعض طهره في الغسل وجب عليه استعماله ثم يتيمم عن الباقي، أما الوضوء فلا يستعمل الماء بل يتيمم، والفرق بينهما أن الماء الذي يكفي بعض الوضوء لا فائدة من استعمال، أما الماء الذي يكفي بعض الغسل فإن الحدث يرتفع عن القدر الذي يغسله بالماء، فهو مؤثر، ولهذا قال الشيخ السعدي في المختارات الجلية: "وفي وجوب استعمال الماء القليل الذي لا يكفي المتوضيء ثم يتيمم بعده نظر، فإنه لا يحصل بهذا الاستعمال رفع حدث ولا تخفيفه، بخلاف الحدث الأكبر، فإنه قد يقال إنه يجب ذلك لأنه يخفف الحدث، ويرتفع الحدث عن المغسول، والله أعلم"

وأقوى الأقوال هو القول الأول ثم الثالث.

** إذا كان معه ماء يكفي إما للوضوء أو لإزالة النجاسة على بدنه، فأيهما يقدم؟ فيه خلاف بين العلماء:

القول الأول: أنه يقدم إزالة النجاسة، ويتيمم، وهذا مذهب الجمهور، واستدلوا بأن إزالة النجاسة ليس لها بدل، بخلاف رفع الحدث بالماء فبدله التيمم.

القول الثاني: أنه يقدم الوضوء، ويصلي بالنجاسة، وهو قول بعض المالكية ورواية عن الإمام أحمد، واستدلوا بما يأتي: 

1- أن الوضوء فعل مأمور، واجتناب النجاسة ترك محظور، وجنس فعل المأمور مقدم على اجتناب المحظور. [مجموع الفتاوى 20/85]

2- أن الشارع جعل بدلا عن الطهارة المائية، فدل هذا على أنها مقدمة على غيرها ومهتم بها. [المغني 1/170، المنثور في القواعد 1/342، فتح القدير 1/190، الإنصاف 1/308]

** هل يجب عليه طلب الماء قبل أن يتيمم؟ فيه خلاف بين العلماء: 

القول الأول: أنه إذا لم يرج وجود الماء ولم يخبره أحد بوجوده لم يجب عليه طلبه، وهو مذهب الحنفية ورواية عن أحمد، واستدلوا بأن الوجود لا يقتضي الطلب، والمعنى أنه إذا لم يملك الماء فله التيمم، وهذا مثل قوله تعالى {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} 

القول الثاني: أنه يجب عليه طلب الماء، وهو مذهب الجمهور، واستدلوا بقوله تعالى {فلم تجدوا ماء فتيمموا} ولا يصدق عليه أنه عادم للماء إلا إذا طلبه.

والصحيح أنه إذا علم أو غلب على ظنه عدم وجود الماء، كأن يكون في مفازة ليس فيها أثر حياة أو ماء، فإنه لا يكلف بطلبه، والعكس فيما إذا علم أو غلب على ظنه وجود الماء، فإن شك فيجب عليه الطلب حتى يصل إلى اليقين أو غلبة الظن.

** اختلف العلماء في المسافة التي يجب فيها طلب الماء، فذهب بعض الحنفية إلى أنها ميل، وأن الماء إذا كان في أقل من ميل وجب طلبه، وذهب بعض الحنفية إلى أنها ميلين، وذهب المالكية إلى أنه ليس فيها حد، وأنه إذا شق عليه أو على أصحابه إن انتظروه، أو خاف فوات الرفقة جاز له التيمم، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن مرجع ذلك إلى العرف، فينظر أمامه وحوله، فإذا كان حوله لا يستتر عنه وجب عليه طلبه، ويدل لذلك أثر ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: (رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتيمم بموضع يقال له "مِرْبَد النَعَم" -الموضع الذي تحبس فيه الإبل والأنعام للبيع-، وهو يرى بيوت المدينة) [قط 1/430، هق 1/224، والمحفوظ أنه موقوف على ابن عمر -رضي الله عنهما- من فعله كما قال البيهقي]



ثانيا: إذا عدم الماء حكما

** إذا عدم الماء ووجده يباع فله في ذلك حالان: 

الحال الأولى: إذا كان الماء يباع بثمن المثل، وهو واجد للثمن غير محتاج له لزمه شراء الماء، كما يلزمه شراء الرقبة في الكفارة، وهذا مذهب الجمهور، وقال ابن حزم لا يشتريه ولو كان بثمن المثل، بل لو اشتراه لم يجز له الوضوء به، لأن الله تعالى {فلم تجدوا ماء فتيمموا} فجعل فرضه التيمم.

الحال الثانية: إذا كان الماء يباع بأكثر من ثمن المثل، ففيه خلاف بين العلماء: 

القول الأول: أنه يلزمه شراؤه ولو كان بجميع ماله، وهذا مذهب الحسن البصري.

القول الثاني: أنه إذا كان الغبن يسيرا وجب شراؤه، وإلا فلا يجب، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة، وهو الراجح، واستدلوا بأن مال المسلم محرم كحرمة نفسه، ولا يلزم بشراء الماء مع الغبن الفاحش.

القول الثالث: أنه لا يلزمه الشراء إذا زاد عن ثمن المثل مطلقا، وهذا مذهب الشافعية ووجه عند الحنابلة 

** إذا وجد الماء ومعه رفقة وهذا الماء يكفي لشرب الرفقة، فإنه إن استعمل الماء حصل الضرر على الرفقة، فيجوز له هنا التيمم.