الأحد 22 جمادي الأولى 1446
يجوز التيمم إذا تعذر عليه استعمال الماء
الأربعاء 11 مايو 2022 2:00 مساءاً
576 مشاهدة
مشاركة

ثالثا: إذا تعذر استعمال الماء

** حكى غير واحد من العلماء الإجماع على أن المريض الذي لا يستطيع استعمال الماء، يجوز له التيمم حتى مع وجود الماء، وقد روي عن الحسن وعطاء أنه لا يجوز للمريض التيمم مع وجود الماء حتى لو خشي التلف، واستدلوا بقوله تعالى {وإن كنتم مرضى أو على سفر} إلى قوله {فلم تجدوا ماء} فاشترط فقد الماء، وهذا القول ضعيف، لأنه لو كان الشرط فقد الماء لما كان لذكر وصف المرض فائدة، ولأن الغرض من وجود الماء استعمال والانتفاع به وليس التضرر به، فمعنى قوله {فلم تجدوا ماء} يعني لم تقدروا عليه إما حقيقة أو حكما.

** ضابط المريض الذي يجوز له التيمم مع وجود الماء عند الجمهور أنه إذا كان استعماله يزيد في المرض، أو يضره أو يؤخر البرء، جاز له التيمم، وذهب الظاهرية إلى أن المريض يباح له التيمم مطلقا ولو لم يضره الماء إذا وجد الحرج والمشقة.

** إذا خاف خروج وقت الفريضة لو توضأ أو اغتسل من الجنابة، فهل يتيمم ويصلي في الوقت، أم يتوضأ وإن خرج الوقت، وهذه المسألة تتداخل مع مسألة من عدم الماء، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال: 

القول الأول: أنه يتيمم ويصلي في الوقت مطلقا، وهذا مذهب المالكية، واستدلوا بما يأتي: 

1- أن التيمم ما شرع إلا لمراعاة مصلحة الوقت، ولو كان الأمر بخلاف ذلك لأمر كل أحد أن يؤخر الصلاة عن وقتها حتى يصليها بوضوء.

2- أن الوقت آكد شروط الصلاة، ولهذا شرعت صلاة الخوف، وقال الله تعالى {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} وهذا لمراعاة الوقت.

3- أن المسافر إذا علم أنه لا يجد الماء إلا بعد خروج الوقت، كان فرضا عليه أن يصلي بالتيمم بالإجماع، وليس له أن يؤخر الصلاة عن وقتها، فكذلك الحال للحاضر.

القول الثاني: أنه يتيمم ويصلي في الوقت، ويستثنى من ذلك النائم إذا استيقظ آخر الوقت، لأن وقته من حين أن يستيقظ، ومثله الناسي، وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، بل قال شيخ الإسلام إنه مذهب الجمهور، واستدل بأدلة أصحاب القول الأول، ولحديث أبي قتادة -رضي الله عنه- مرفوعا: (أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى) [م 681] 

القول الثالث: أنه يتوضأ وإن خرج الوقت، وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة، واستدلوا بأنه معذور بتحصيل شرط العبادة، وقاعدة الحنابلة أنه لا يجوز تأخير الصلاة إلا لناوي الجمع، ولمشتغل بشرطها الذي يحصله قريبا، فإن كان شرطها سيحصله بعد وقت طويل فلا يجوز له أن يؤخر الصلاة.

وخلاصة مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة في تأخير الصلاة أن من عدم الماء فإنه يتيمم ولا يؤخر الصلاة عن وقتها مطلقا، واستثنى الحنابلة من ذلك -خلافا للحنفية والشافعية- ما إذا ظن تحصيل الماء بعد خروج الوقت بوقت قريب، فأجازوا له تأخير الصلاة عن الوقت، أما من ظن تحصيل الماء بعد خروج الوقت بوقت طويل فلا يجوز له التأخير عند الحنابلة.

أما من كان واجدا للماء، وخاف إن اغتسل أو توضأ خروج الوقت، فقد اتفقت المذاهب الثلاثة على أنه يتطهر بالماء وإن خرج الوقت، واستثنى الحنفية من ذلك صلاتي الجنازة والعيدين؛ لأنهما تفوتان إلى غير بدل، فقالوا يتيمم.

والصحيح هو القول الثاني، أنه يتيمم ويصلي في الوقت، والمراد بالوقت وقت الصلاة الأصلي، أو وقتها مع الصلاة التي تجمع معها كما سيأتي من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية. 

وأجيب عن قاعدة الحنابلة بأن ناوي الجمع لم يؤخر الصلاة عن وقتها؛ لأن الوقت في حقه صار وقتا واحدا [انظر شرح العمدة لابن تيمية 2/54]

أما استثناء المشتغل بشرطها القريب فهو ضعيف، لأن الذي أخر الصلاة عن وقتها، لا فرق بين أن يؤخرها إلى وقت طويل أو إلى وقت قصير، لأن كليهما إخراج عن وقتها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن كان مستيقظا في الوقت والماء بعيد منه لا يدركه إلا بعد الوقت، فإنه يصلي في الوقت بالتيمم باتفاق العلماء، وكذلك إذا كان البرد شديدا ويضره الماء البارد، ولا يمكنه الذهاب إلى الحمام، أو تسخين الماء حتى يخرج الوقت، فإنه يصلي في الوقت بالتيمم، والمرأة والرجل في ذلك سواء، فإذا كانا جنبين ولم يمكنهما الاغتسال حتى يخرج الوقت، فإنهما يصليان في الوقت بالتيمم، والمرأة الحائض إذا انقطع دمها في الوقت ولم يمكنها الاغتسال إلا بعد خروج الوقت، تيممت وصلت في الوقت، ومن ظن أن الصلاة بعد خروج الوقت بالماء خير من الصلاة في الوقت بالتيمم فهو ضال جاهل.

وإذا استيقظ آخر وقت الفجر، فإذا اغتسل طلعت الشمس، فجمهور العلماء هنا يقولون يغتسل بعد طلوع الشمس، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وأحد القولين في مذهب مالك.

وقال في القول الآخر: بل يتيمم أيضا هنا ويصلي قبل طلوع الشمس، كما تقدم في تلك المسائل، لأن الصلاة في الوقت بالتيمم خير من الصلاة بعده بالغسل.

والصحيح قول الجمهور، لأن الوقت في حق النائم هو من حين يستيقظ، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها) فالوقت في حق النائم هو من حين يستيقظ، وما قبل ذلك لم يكن وقتا في حقه ... وكذلك من نسي صلاة وذكرها، فإنه حينئذ يغتسل ويصلي في أي وقت كان، وهذا هو الوقت في حقه" 

ولفظ الحديث الذي ذكره شيخ الإسلام قال فيه الحافظ: "حديث: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، فإن ذلك وقتها لا وقت لها غيره) الدارقطني والبيهقي في الخلافيات من حديث أبي هريرة بسند ضعيف دون قوله (لا وقت لها غيره)... وأصله في الصحيحين دون قوله: (فإن ذلك وقتها)" [التلخيص الحبير 1/332]

والذي يظهر أن الحائض التي طهرت في آخر الوقت هي بمنزلة من استيقظ من نومه، فيكون وقتها من حين طهارتها، وعلى هذا فلها أن تؤخر الغسل ولو خرج الوقت، والفرق بينها وبين الجنب أن الجنب يملك أن يرفع حدثه، أما هي فلا تعرف متى يرتفع حدثها، فتشبه النائم الذي يستيقظ فيكون وقته من قوت استيقاظه، وقد راجعت شيخنا ابن عثيمين في هذه المسألة فقال: "الظاهر أنها معذورة".

وقال أيضا: "وأما قول بعض أصحابنا: إنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها إلا لناو لجمعها أو مشتغل بشرطها، فهذا لم يقله قبله أحد من الأصحاب، بل ولا أحد من سائر طوائف المسلمين إلا أن يكون بعض أصحاب الشافعي، فهذا أشك فيه. 

ولا ريب أنه ليس على عمومه وإطلاقه بإجماع المسلمين، وإنما فيه صورة معروفة كما إذا أمكن الواصل إلى البئر أن يضع حبلا يستقي ولا يفرغ إلا بعد الوقت، وإذا أمكن العريان أن يخيط له ثوبا ولا يفرغ إلا بعد الوقت ونحو هذه الصور، ومع هذا فالذي قاله في ذلك خلاف المذهب المعروف عن أحمد وأصحابه وخلاف قول جماعة علماء المسلمين من الحنفية والمالكية وغيرهم. 

وما أعلم من يوافقه على ذلك إلا بعض أصحاب الشافعي، ومن قال ذلك فهو محجوج بإجماع المسلمين على أن مجرد الاشتغال بالشرط لا يبيح تأخير الصلاة عن وقتها المحدود شرعا، فإنه لو دخل الوقت وأمكنه أن يطلب الماء وهو لا يجده إلا بعد الوقت لم يجز له التأخير باتفاق المسلمين، وإن كان مشتغلا بالشرط. وكذلك العريان لو أمكنه أن يذهب إلى قرية ليشتري له منها ثوبا وهو لا يصلي إلا بعد خروج الوقت لم يجز له التأخير بلا نزاع"

وقال أيضا: "والجمع بين الصلاتين بطهارة كاملة بالماء خير من أن يفرق بين الصلاتين بالتيمم كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المستحاضة أن تجمع بين الصلاتين بغسل واحد وجعل ذلك خيرا من التفريق بوضوء.

وأيضا فالجمع بين الصلاتين مشروع لحاجة دنيوية؛ فلأن يكون مشروعا لتكميل الصلاة أولى، والجامع بين الصلاتين مصل في الوقت، والنبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الظهر والعصر بعرفه في وقت الظهر، لأجل تكميل الوقوف واتصاله، وإلا فقد كان يمكنه أن ينزل فيصلي، فجمع بين الصلاتين لتكميل الوقوف، فالجمع لتكميل الصلاة أولى. 

وأيضا فإنه جمع بالمدينة للمطر وهو نفسه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يتضرر بالمطر، بل جمع لتحصيل الصلاة في الجماعة، والجمع لتحصيل الجماعة خير من التفريق والانفراد، والجمع بين الصلاتين خير من الصلاة في الحمام، فإن أعطان الإبل والحمام نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة فيهما، والجمع مشروع. 

بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها)، ثم إنه لما نام عن الصلاة انتقل وقال: (هذا واد حضرنا فيه الشيطان)، فأخر الصلاة عن الوقت المأمور به، لكون البقعة حضر فيها الشيطان، وتلك البقعة تكره الصلاة فيها وتجوز؛ لكن يستحب الانتقال عنها وقد نص على ذلك أحمد بن حنبل وغيره، والحمام وأعطان الإبل مسكن الشياطين، ولهذا حرم الصلاة فيها.

والجمع مشروع للمصلحة الراجحة، فإذا جمع لئلا يصلي في أماكن الشياطين كان قد أحسن.

والمرأة إذا لم يكن يمكنها الجمع بطهارة الماء جمعت بطهارة التيمم، فإن الصلاة بالتيمم في الوقت المشروع خير من التفريق ...

وإن أمكنه أن يجمع بين الصلاتين بوضوء فهو خير من أن يفرق بينهما وكذلك سائر الأعذار الذين يباح لهم التيمم إذا أمكنهم الجمع بينهما بطهارة الماء فهو خير من التفريق بينهما بطهارة التيمم.

والجمع بين الصلاتين لمن له عذر كالمطر والريح الشديدة الباردة، ولمن به سلس البول والمستحاضة، فصلاتهم بطهارة كاملة جمعا بين الصلاتين خير من صلاتهم بطهارة ناقصة مفرقا بينهما. 

والمريض أيضا له أن يجمع بين الصلاتين لا سيما إذا كان مع الجمع صلاته أكمل، إما لكمال طهارته وإما لإمكان القيام.

ولو كانت الصلاتان سواء، لكن إذا فرق بينهما زاد مرضه فله الجمع بينهما."

[ينظر مجموع الفتاوى 22/35، 36، 56، 57، وينظر: مجموع الفتاوى 21/451، 454، 471، الفتاوى الكبرى 5/318، 2/33، بدائع الفوائد 3/256، المدونة 1/146، المجموع 280 وما بعدها، 2/375، تبيين الحقائق 1/42، أحكام القرآن للجصاص 2/533، العناية شرح الهداية 1/139، المبسوط 2/40، أسنى المطالب 1/73، بدائع الصنائع 1/51]