** اختلف العلماء في بول الجارية والغلام على أقوال:
القول الأول: أنه يكتفى فيه بالنضح والرش في بول الجارية والغلام معا ما لم يطعما، فإذا طعما غسلا جميعا، وهذا القول ذكر ابن حزم أنه مروي عن الحسن وسفيان، وهو أحد قولي الأوزراعي، واستدلوا بأن حكمها واحد بعد أن يطعما فكذلك قبل أن يطعما.
وهذا القياس فاسد لأنه في مقابلة النص.
القول الثاني: أنه يفرق بين بول الجارية وبول الغلام، فيغسل من بول الجارية، وينضح من بول الغلام، وهو مذهب الشافعية والحنابلة وداود الظاهري وهو الراجح، واستدلوا بما يأتي:
1- عن أبي السمح -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام) [ن 304، وصححه الألباني] وفي رواية أبي داود: (وينضح من بول الذكر) [د 375] وفي رواية: (ويرش من بول الغلام) [د 376] والحديث صححه الحاكم، وقال البخاري: حديث أبي السمح هذا حديث حسن، وصححه القرطبي وابن الملقن، وضعف الحديث ابن عبد البر.
واعلم أن البزار قال: ليس لأبي السمح غير هذا الحديث، ولا أعرف اسمه، وقيل اسمه إياد، وقيل مالك، وهو خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
2- عن أم قيس بنت محصن -رضي الله عنها-: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأجلسه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله) [خ 223، م 287]
3- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بالصبيان فيدعو لهم، فأتي بصبي فبال على ثوبه، فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله) [خ 6355، م 286]
القول الثالث: أنه يجب الغسل من بول الجارية والغلام، سواء طعما أم لم يطعما، وهذا مذهب الحنفية والمالكية، واستدلوا بما يأتي:
1- عموم الأدلة الواردة في غسل البول والاستبراء منه، ولا فرق بين بول الغلام وبول الجارية في النجاسة.
2- أن المراد بأحاديث الرش والنضح هو الغسل.
** اختلف العلماء في بول الصبي الذي لم يأكل الطعام، على قولين:
القول الأول: أنه نجس، وهو مذهب جماهير العلماء، حتى من يرى أنه يرش من بول الغلام، واستدلوا بأن إتباعه بالماء دليل على نجاسته، لأنه لو كان طاهرا لم يكن حاجة إلى الماء، ولو قلنا إن كل ما خفف في طهارته فهو طاهر لكان النعل الذي تصيبه نجاسة طاهرا، لأنه طهارته بالدلك بالتراب.
القول الثاني: أنه طاهر، وهو مذهب داود الظاهري واختاره بعض الحنابلة ونصره الشوكاني، واستدلوا بالأحاديث الدالة على أنه يرش من بول الغلام.
** اختلف العلماء في تحديد الصبي الذي يشمله الحكم على أقوال:
القول الأول: أنه يشمل بول الذكر كبيرا كان أم صغيرا، وهو مذهب ابن حزم، وهو أضعف الأقوال، بل هو قول شاذ.
القول الثاني: أن هذا خاص بمن لم يصل إلى جوفه شيء ألبته، فهو خاص بالمولود بعيد ولادته فحسب.
القول الثالث: أن المقصود ما لم يستقل بجعل الطعام في فيه، ولو كان يطعم بمعونة غيره.
القول الرابع: أنه من لم يستغن بالطعام عن الرضاع.
القول الخامس: أنه يشمل من لم يأكل إلا اللبن الذي يرتضعه وتمر التحنيك وما يحتاج من العلاج من عسل ونحوه، فإذا طعم الطعام واشتهاه وجب غسل بوله، وهذا ما رجحه ابن قدامة وابن حجر والنووي، وقد جاء في حديث أم قيس السابق (أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام)
** اختلف العلماء في سر هذا التفريق، فمنهم من أرجع ذلك إلى طبيعة بول الأنثى، وأنه يختلف عن بول الذكر، بحكم أن بول الأنثى أنتن رائحة وأثقل من بول الذكر، ويدخل في هذا ما ذكره أبو اليمان المصري قال: "سألت الشافعي عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يرش من بول الغلام ويغسل من بول الجارية) والماءان جميعا واحد، قال: لأن بول الغلام من الماء والطين، وبول الجارية من اللحم والدم، ثم قال لي: فهمت أو قال لَقِنْت؟ قال: قلت لا، قال: إن الله تعالى لما خلق آدم خلقت حواء من ضلعه القصير، فصار بول الغلام من الماء والطين، وصار بول الجارية من اللحم والدم، قال: قال لي فهمت؟ قلت نعم، قال: لي نفعك الله به" [جه 525]
ومنهم من أرجع ذلك إلى طريقة خروج البول من كل من الذكر والأنثى، فإن بول الغلام يخرج بقوة فينتشر فيشق غسله، ولذلك تسومح فيه، بخلاف بول الأنثى فإنه يكون مجتمعا.
ومنهم من قال إن نفوس الآباء إلى حمل الغلمان أميل، فيكثر منهم التبول، ويشق عليهم غسله. [أعلام الموقعين 2/351]