** يقصد الفقهاء بالنفس هنا الدم، ويعني الحيوان الذي لا دم يجري فيه، وقد فرق الفقهاء في الأحكام بين ما لا نفس له سائلة وبين ما له نفس له سائلة، وذهب ابن حزم إلى أن هذا التفريق باطل وليس عليه دليل، وأجيب عنه بأن من أسباب تحريم الميتة انحباس الدم فيها، ويدل لذلك حديث رافع بن خديج -رضي الله عنه- أن قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنا نرجو أو نخاف العدو غدا وليست معنا مدى أفنذبح بالقصب، فقال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ليس السن والظفر) [خ 2488، م 1968]، فدل على أن انحباس الدم وعدم إنهاره مؤثر في حل الذبيحة، وما لا نفس له سائلة ليس فيه دم.
** فائدة: ذكر ابن القيم رحمه الله أن أول من حفظ عنه في الإسلام أنه تكلم بلفظة "ما لا نفس له سائلة" إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء، والنفس في اللغة يعبر بها عن الدم، ومنه نفست المرأة -بفتح النون- إذا حاضت، ونفست -بضمها- إذا ولدت. [انظر زاد المعاد 4/112]
** اختلف العلماء فيما لا نفس له سائلة على أقوال:
القول الأول: أنه طاهر مطلقا، سواء تولد من طاهر أم من نجس، وسواء أكان ميتا أم حيا، وسواء أكان مأكولا أم غير مأكول، وهو مذهب الجمهور، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، واستدلوا بما يأتي:
1- أن الله تعالى حرم الدم المسفوح، وما لا نفس له سائلة ليس له دم مسفوح.
2- أن الله تعالى قال {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} ومن المعلوم أن العسل لا يخلو من النحل الميت فيه، ومع ذلك كان طاهرا.
3- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء) [خ 3320] والذباب يقع حيا، وقد يخرج حيا، ولم يأمر بإراقة الشراب، فدل على أنه طاهر.
4- أن ما لا نفس له سائلة وأن تولد من نجس، فهو قد طهر بالاستحاله.
القول الثاني: أنه إن تولد من طاهر فهو طاهر، وإن تولد من نجس فهو نجس، وهو المشهور عند الحنابلة، والقاعدة في المذهب أن الاستحالة لا تطهر النجاسة إلا ما ورد فيه النص كالخمر تنقلب خلا، فإذا احترقت النجاسة وصارت رمادا، أو وقع خنزير في الملاحة وصار ملحا، أو تكثف البخار الصاعد من ماء نجس فتحول إلى رطوبة، فهذا كله نجس، ومثله ما تولد من نجس فهو نجس، وإن استحال بهذا التولد.
والراجح هو القول الأول، والاستحالة مؤثرة، لأنه باستحالته صار عينا أخرى.
** ميتة ما لا نفس له سائلة طاهرة عند جماهير العلماء خلافا لقول عند الشافعي بنجاسته، لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء) [خ 3320] فقوله: (في شراب) هذا عام يشمل الحار والبارد، ومن المعلوم أن الذباب إذا وقع في الشراب الحار فإنه يموت، ولو كان نجسا لأمر بإراقة الشراب.
ولحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعا: (أحلت لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال) [حم 5690، جه 3314، وقال الحافظ: "أخرجه أحمد والدارقطني مرفوعا وقال إن الموقوف أصح، ورجح البيهقي أيضا الموقوف إلا أنه قال: إن له حكم الرفع"، فتح الباري 9/621، وقال أيضا: "رواه الدارقطني موقوفا قال: وهو أصح، وكذا صحح الموقوف أبو زرعة وأبو حاتم، وفيه عبد الرحمن بن زيد ضعيف متروك، وقال أحمد: حديثه هذا منكر"، التلخيص الحبير 1/36، وانظر زاد المعاد 4/111]