الأحد 4 ربيع الأول 1446

أحكام الميتة

حكم لبن الميتة وأنفحتها
الخميس 12 مايو 2022 2:00 مساءاً
710 مشاهدة
مشاركة

** لبن الميتة معروف، أما الإنفحة فهي سائل أبيض صفراوي يوجد في وعاء في بطن الجدي ونحوه، وهي التي تجعل اللبن جبنا، وفي القاموس: "الإنفحة بكسر الهمزة وتشديد الحاء وقد تكسر الفاء، والمنفحة والتنفحة: شئ يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفر فيعصر في صوفة فيغلظ كالجبن"

والألبان على خمسة أقسام: 

القسم الأول: لبن مأكول اللحم كالإبل والبقر والغنم والخيل، وهي طاهرة بالنص والإجماع، إلا أن الفقهاء اختلفوا في طهارة لبن بعض الحيوانات كالخيل، فالجمهور على أنه طاهر، وهو نجس عند المالكية بناء على تبعية اللبن للحم، والفرس من الحيوانات المحرمة عندهم.

القسم الثاني: لبن الحيوان النجس كالكلب والخنزير والمتولد من أحدهما، وهو نجس عند عامة الفقهاء، والقاعدة أن لبن الحيوانات المتفق على حرمة أكلها نجس حية كانت أو ميتة، يقول ابن قدامة: "حكم الألبان حكم اللحمان". 

القسم الثالث: لبن الآدمي وهو طاهر عند الجمهور، وحكي عن بعض الشافعية أنه نجس، وإنما يحل شربه للطفل للضرورة، وقال النووي: "هذا ليس بشيء، بل هو خطأ ظاهر، وإنما حكى مثله للتحذير من الاغترار به"

القسم الرابع: لبن سائر الحيوانات الطاهرة غير مأكولة اللحم، كالأتان، وقد رخص فيه عطاء وطاوس والزهري، وهو نجس عند الجمهور، ومكروه عند الحنفية، قيل تنزيها، وقيل تحريما. [المجموع 2/587، درر الحكام 1/310، الموسوعة الكويتية 35/196]

القسم الخامس: لبن ميتة مأكول اللحم، وهو محل البحث فيما يأتي.

** اختلف العلماء في لبن الميتة وإنفحتها على قولين: 

القول الأول: وهو مذهب صاحبي أبي حنيفة، ومذهب المالكية والشافعية والحنابلة في المشهور أنها نجسة، لكن ذكر النووي في المجموع أن الإنفحة إن أخذت من السخلة بعد موتها وقد أكلت غير اللبن فهي نجسة، وإن أخذت من السخلة بعد موتها قبل أن تأكل غير اللبن فوجهان صحح النووي الطهارة، قال: وقطع به الأكثرون. واستدل الجمهور بما يأتي: 

1- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لا تأكل من الجبن إلا ما صنع المسلمون وأهل الكتاب" [العلل ومعرفة الرجال 1/335]، وعن ابن مسعود وابن عمر وأنس بن مالك -رضي الله عنهم- مثله [طب 9/201 رقم 8980، هق 10/6،7] وحسن الشيخ الدبيان الأسانيد عن ابن مسعود وابن عمر -رضي الله عنهم-، وسيأتي كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فيما ورد من كراهية بعض الصحابة لأكله.

2- أن هذا وعاء نجس، وقد لاقى اللبن أو الأنفحة نجاسة فينجس بها، فالميتة نجسه فينجس بها اللبن.

وأجيب على هذه الدليل من وجهين: 

الأول: أن هذا القول مبني على أن المائعات تنجس بمجرد ملاقاة النجاسة ولو لم تتغير، ولا نسلم بهذا، بل كالماء ينجس بالتغيير.

الثاني: أن الملاقاة في الباطن لا حكم لها كما قال تعالى {من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين}. ولهذا يجوز حمل الصبي الصغير في الصلاة مع ما في باطنه. [الفتاوى الكبرى 1/271، 272] 

3- أن اللبن والأنفحة جزء من الميتة، فيأخذ حكمه.

القول الثاني: وهو مذهب الحنفية ورواية عن أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، أنها طاهرة، واستدلوا بما يأتي: 

1- قوله تعالى {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا} ووجه الدلالة من وجهين:

الأول: العموم، لأن السياق للامتنان، فهي عامة في كل لبن، ومن قيده بحال الحياة فعليه الدليل.

الثاني: قوله {من بين فرث ودم} فاللبن يخرج من بين هذه النجاسات بقدرة الله، فلا يتنجس بتنجس موضع الخلقة.

2- ما رواه الإمام أحمد والطبراني بسند ضعيف لضعف جابر الجعفي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "( أتِيَ بجبنة في غزوة الطائف -وفي المسند: فقال: أين صنعت هذه؟ فقالوا بفارس- فجعل أصحابه يضربونها بعصيهم ويقولون نخشى أن يكون فيها ميتة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ضعوا فيها السكين واذكروا اسم الله عليها) [حم 2750، طب 11/303] وعن الحسن بن علي نحوه مقطوعا [طب 2686]

3- عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أتي بجبنة في تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع) [د 3819، وحسنه الألباني، وقال الدبيان: "انفرد إبراهيم بن عيينة برفعه، وخالفه من هو أوثق منه فأرسله"، وإبراهيم قال عنه النسائي ليس بالقوي، وقال يحيى بن معين: كان مسلما صدوقا، وقال الحافظ: صدوق يهم] 

4- عن شقيق أنه قيل لعمر: "إن قوما يعملون الجبن فيضعون فيه أنافيح الميتة؟ فقال عمر: سموا الله وكلوا" [مصنف عبد الرزاق 4/538، مصنف ابن أبي شيبة 5/130، وسنده صحيح]

5- ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية أن الصحابة لما فتحوا بلاد العراق أكلوا من جبن المجوس، وكان هذا ظاهرا سائغا بينهم، وما ينقل عن بعض الصحابة من كراهة ذلك ففيه نظر، لأنه من نقل بعض الحجازيين وفيه نظر، فإن أهل العراق أعلم بهذا لأن المجوس كانوا ببلادهم ولم يكونوا بأرض الحجاز، ويدل على ذلك أن سلمان الفارسي كان نائب عمر بن الخطاب على المدائن، وكان يدعو الفرس إلى الإسلام، وقد ثبت عنه أنه سئل عن شيء من السمن، والجبن، والفراء، فقال: "الحلال ما حلله الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه"، وقد رواه أبو داود مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه لم يكن السؤال عن جبن المسلمين وأهل الكتاب فإن هذا أمر بين، وإنما كان السؤال عن جبن المجوس، فدل ذلك على أن سلمان كان يفتي بحلها." [الفتاوى الكبرى 1/271، 272] وحديث أبي داود ضعيف مرفوعا وهو موقوف على سلمان -رضي الله عنه- 

6- أن اللبن والإنفحة منفصلة عن الميتة فهي ليست من الميتة، ولا تموت كالميتة.