الأحد 4 ربيع الأول 1446
نجاسة الكلب
الخميس 12 مايو 2022 2:00 مساءاً
590 مشاهدة
مشاركة

** اختلف العلماء في نجاسة الكلب على أقوال: 

القول الأول: أنه الكلب طاهر كله، وهو المشهور من مذهب المالكية، ورواية عن أحمد، وقالوا إن الأحايث الواردة في الغسل من ولوغ الكلب سبعا إنما هو أمر تعبدي غير معقول المعنى، واستدلوا على طهارة الكلب بما يأتي: 

1- قوله تعالى {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه}، ووجه الاستدلال أن الصيد لا يسلم من لعاب الكلب فدل على أنه طاهر.

وأجيب بأن الأدلة الأخرى دلت على أنه يغسل من لعابه، ولهذا ذهب الحنابلة وهو قول للشافعية بوجوب غسل ما أصاب فم الكلب.

2- عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك" [خ 174] 

وأجيب بأن هذا كان في أول الأمر، أو إن الشمس تطهر ذلك، فيكون في هذا الحديث دليل على أن النجاسة تزول بزوال عينها.

ورد بأنه لا دليل على أنه كان في أول الإسلام، بل الأمر بقتل الكلاب كان متقدما ثم نسخ، فلو عكس أحد المسألة وقال إن التشديد في الكلاب كان في أول الأمر، ثم كانت الكلاب تبول وتقبل في آخر الأمر لكان له حظ من النظر.

3- عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة منها؟ فقال: لها ما حملت في بطونها، ولنا ما غبر طهور) [جه 516، وضعفه البيهقي، ومن المتأخرين ضعفه الألباني، والحديث فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقد ضعفه علي بن المديني جدا، وضعفه النسائي، وقال يحيى بن معين لي بشيء]

4- أن الأمر بالغسل سبعا إنما هو تعبدي غير معقول المعنى، بدليل أن الماء لم يتغير بهذا الولوغ، ومع ذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإلقائه وغسل الآنية منه، ولأنه أمر بالتسبيع مع أن الحيض نفسه يطهر بأقل من ذلك، ولأنه أمر بإضافة التراب، فدل على أنه أمر تعبدي.

وأجيب بأن الأصل في الماء أنه لا ينجس إلا بالتغيير، لكن استثناء الكلب من ذلك لا يجعله طاهرا، وأيضا فإن لعاب الكلب لزج وقد يتحلل في الماء ولا يظهر منه شيء.

القول الثاني: أن الكلب نجس كله حتى شعره، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، واستدلوا بما يأتي: 

1- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (طَهورُ إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب) [م 279] وفي رواية (فليرقه) [م 279، وقد أعلها جماعة من الحفظ بالشذوذ كما سيأتي]، ووجه الدلالة من الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم-: (طهور) وهذا لا يكون إلا من حدث أو نجاسة.

وأجيب بالنقض بمثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: (السواك مطهرة للفم) وهذا ليس عن حدث أو نجاسة.

ورد بأن المقصود بالحديث الطهارة اللغوية، بدليل أنه علقها بالفم، وباطن الفم ليس محلا للطهارة في قول كثير من العلماء، وأيضا فإن السواك يكون على الأسنان وهي ليست محل للطهارة أو النجاسة الشرعية، فعلم أن المقصود بها اللغوية.

2- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بغسل الإناء مع أن الولوغ وقع في الماء، وهذا يدل على أن الماء قد تنجس، ونجس به الإناء.

وأجيب عنه بما ذكره المالكية في القول الأول بأن الأمر تعبدي ولا يدل على نجاسة الماء.

3- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بإراقة ما ولغ فيه الكلب فدل على نجاسته، لأنه إراقة ما ولغ فيه الكلب فيه إتلاف له، ولا يجوز إلا لنجاسته، وإذا كان هذا حكم لعاب الكلب فما سواه من باب أولى.

وأجيب بأن هذه اللفظة أعلها جماعة من الحفاظ بالشذوذ، قال الحافظ: "قال النسائي: لا أعلم أحدا تابع على بن مسهر على زيادة (فليرقه)، وقال حمزة الكناني: أنها غير محفوظة، وقال ابن عبد البر: لم يذكرها الحفاظ من أصحاب الأعمش كأبي معاوية وشعبة، وقال ابن منده: لا تعرف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بوجه من الوجوه إلا عن علي بن مسهر بهذا الإسناد، قلت: قد ورد الأمر بالإراقة أيضا من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه بن عدي لكن في رفعه نظر والصحيح أنه موقوف، وكذا ذكر الإراقة حماد بن زيد عن أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة موقوفا وإسناده صحيح أخرجه الدارقطني" [فتح الباري 1/275]

فتفرد علي بن مسهر بهذه اللفظة عن الأعمش، وقد رواه تسعة عن الأعمش ولم يذكروا هذه الزيادة، ومنهم شعبة وأبو معاوية وهو من أخص أصحاب الأعمش، وهذا يدل على شذوذ هذه اللفظة.

4- عن ميمونة -رضي الله عنها-: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصبح يوما واجما -ساكتا من الهم والحزن-، فقالت ميمونة يا رسول الله لقد استنكرت هيئتك منذ اليوم؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن جبريل كان وعدني أن يلقاني الليلة فلم يلقني، أَمَ والله ما أخلفني، فظل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومه ذلك على ذلك، ثم وقع في نفسه جرو كلب تحت فسطاط لنا، فأمر به فأخرج، ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه، فلما أمسى لقيه جبريل، فقال له: قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة، قال أجل، ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة، فأصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذ فأمر بقتل الكلاب، حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط -البستان- الصغير ويترك كلب الحائط الكبير) وفرق بين الحائطين لأن الكبير تدعو الحاجة إلى حراسته بخلاف الصغير [م 2105] ووجه الدلالة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نضح مكان الكلب، والنضح هنا الغسل، ولهذا جاء في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: (كأني أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) وفي رواية (ينضح الدم عن جبينه) [م 1792] 

وأجيب عنه بأنه مجرد فعل وهو لا يدل على الوجوب.

ورد بأن جبريل لا يخلف وعده لأجل أمر مستحب، بل لا بد أن يكون لأمر واجب.

وأجيب بأن الأمر الواجب هو مجرد إخراج الكلب، أما النضح فهو أمر زائد.

القول الثالث: أن شعر الكلب طاهر وريقه نجس، وهو مذهب الحنفية ورواية عن أحمد وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الراجح، فإن ظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: (طَهورُ إناء أحدكم) يدل على أن الكلب نجس، وظاهر حديث ابن مسعود في نضح مكان الكلب أن شعره ليس بنجس، لأنه اكتفى بالنضح، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص في اقتناء كلب الصيد والماشية والحرث، ولا بد لمن اقتناها أن يصيبه رطوبة شعورها، كما يصيبهم رطوبة البغل والحمار وغير ذلك، فالقول بنجاسة شعورها والحال هذه من الحرج المرفوع عن الأمة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والقول الراجح هو طهارة الشعور كلها الكلب والخنزير وغيرهما بخلاف الريق، وعلى هذا فإذا كان شعر الكلب رطبا وأصاب ثوب الإنسان فلا شيء عليه، كما هو مذهب جمهور الفقهاء أبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وذلك لأن الأصل في الأعيان الطهارة، فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليل ... فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا أولاهن بالتراب ... فأحاديثه كلها ليس فيها إلا ذكر الولوغ لم يذكر سائر الأجزاء، فتنجيسها إنما هو بالقياس. 

فإذا قيل: إن البول أعظم من الريق كان هذا متوجها، وأما إلحاق الشعر بالريق فلا يمكن، لأن الريق متحلل من باطن الكلب بخلاف الشعر فإنه نابت على ظهره، والفقهاء كلهم يفرقون بين هذا وهذا، فإن جمهورهم يقولون: إن شعر الميتة طاهر بخلاف ريقها ... وكل حيوان قيل بنجاسته، فالكلام في شعره وريشه كالكلام في شعر الكلب، فإذا قيل بنجاسة كل ذي ناب من السباع، وذي مخلب من الطير، إلا الهر وما دونها في الخلقة كما هو مذهب كثير من العلماء ... فإن الكلام في ريش ذلك وشعره فيه هذا النزاع ... والقول بطهارة ذلك هو الصواب كما تقدم. 

وأيضا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص في اقتناء كلب الصيد، والماشية، والحرث، ولا بد لمن اقتناها أن يصيبه رطوبة شعورها، كما يصيبهم رطوبة البغل والحمار وغير ذلك، فالقول بنجاسة شعورها والحال هذه من الحرج المرفوع عن الأمة.

وأيضا فإن لعاب الكلب إذا أصاب الصيد لم يجب غسله في أظهر قولي العلماء، وهو أحد الروايتين عن أحمد، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر أحدا بغسل ذلك، فقد عفا عن الكلب في موضع الحاجة، وأمر بغسله في غير موضع الحاجة، فدل على أن الشارع راعى مصلحة الخلق وحاجتهم، والله أعلم" [الفتاوى الكبرى 1/264]

** اختلف العلماء في الماء الذي ولغ فيه الكلب على أقوال: 

القول الأول: أنه نجس وهو مذهب الجمهور، واستدلوا بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (طَهورُ إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب) [م 279] وفي رواية (فليرقه) [م 279، وقد أعلها جمع من الحفظ بالشذوذ كما سبق]

القول الثاني: أنه طاهر، وأن الأمر بالتسبيع إنما هو للتعبد وهذا القول رواية عن الإمام مالك، والرواية الثانية توافق الجمهور.

القول الثالث: التفريق بين المأذون في اتخاذه فهو طاهر، وبين غير المأذون فهو نجس، وهو قول عن الإمام مالك.

القول الرابع: أنه لا ينجس إلا إذا تغير من ولوغ الكلب، كأن تتغير رائحته أو يكون لزجا بلعاب الكلب، وهذا القول إحدى الروايات عن الإمام مالك.

والصحيح أنه نجس، لكنه محمول على ما إذا ولغ في الآنية المعتادة، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- (في إناء أحدكم)، وقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية بأن الكلب إذا ولغ في اللبن وكان كثيرا فإنه لا ينجس [مجموع الفتاوى 21/531]

** اختلف العلماء في حكم إراقة الماء الذي ولغ فيه الكلب، على قولين: 

القول الأول: أن الإراقة لا تجب لعينها، بل هي مستحبة، فإذا أراد استعمال الإناء أراقه لأنه نجس قياسا على سائر النجاسات، وهذا مذهب الجمهور، بل إن بعض العلماء لم يثبت زيادة (فليرقه) كما سبق بيانه في مسألة نجاسة الكلب.

القول الثاني: أن الإراقة واجبة على الفور، ولو لم يرد استعمال الماء، وهو مذهب الظاهرية وبعض الشافعية.