الأحد 4 ربيع الأول 1446
حكم سؤر ما لا يؤكل لحمه
الخميس 12 مايو 2022 2:00 مساءاً
493 مشاهدة
مشاركة

** اختلف العلماء في سؤر الهرة على قولين: 

القول الأول: أن سؤر الهرة طاهر، وهو مذهب أبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية، ومذهب المالكية والشافعية والحنابلة، واستدلوا بما يأتي: 

1- عن كبشة بنت كعب بن مالك: "أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا، فجاءت هرة تشرب فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا بنت أخي؟ فقلت: نعم، قال إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات) [حم 23022، ت 92، ن 68، د 75، جه 367، وصححه البخاري والدارقطني وابن خزيمة وابن عبد البر والبيهقي والنووي وابن تيمية، ومن المتأخرين صححه الألباني]

2- عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمر به الهر فيصغي لها الإناء فتشرب ثم يتوضأ بفضلها) [قط 1/166]، والحديث ضعفه الدارقطني.

القول الثاني: أن سؤر الهرة نجس، ولكن خفف فيه، وعبر بعضهم بأنه طاهر مكروه، وهو مذهب الحنفية، واستدلوا أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (طهور الإناء إذا ولغ فيه الهر أن يغسل مرة أو مرتين) [شرح معاني الآثار 47] 

وأجيب بأن الصحيح أنه موقوف على أبي هريرة. [انظر شرح بلوغ المرام للعودة 1/234]

** اختلف العلماء في طهارة سؤر البغل والحمار بناء على اختلافهم في طهارتها، فالجمهور على طهارة سؤرها، والمشهور من مذهب الحنابلة أن سؤرها نجس، وذهب الحنفية إلى أنه مشكوك فيه، وبناء عليه يكون مكروها، والصحيح أنه طاهر.

** اختلف العلماء في آسار السباع وما لا يؤكل لحمه غير الهرة والبغل والحمار، والخلاف مبني على القول بطهارة ما لا يؤكل لحمه، فالحنفية والحنابلة يقولون بنجاسة سباع البهائم والطير، والشافعية والمالكية يقولون بطهارتهما على خلاف بين المذاهب في بعض التفاصيل وقد سبق بيانها، وبني على هذا خلافهم في آسار تلك الحيوانات، على الأقوال الآتية: 

القول الأول: أن سؤر سباع الطير مكروه، وسباع الوحوش نجس، وهو مذهب الحنفية، والفرق أن الأولى تشرب بمنقارها، وهو عظم جاف لا يختلط بلعابها بخلاف سؤر سباع الوحوش، ومن هنا كان الأصل في مذهب الحنفية أن يكون سؤر سباع الطير نجسا، لكن اختاروا طهارته استحسانا.

القول الثاني: أن سؤر سباع الطير والحيوان نجس إلا الهرة وما دونها في الخلقة فإنه طاهر، وهو مذهب الحنابلة، واستدلوا بحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: (سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يُسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب، فقال: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث) وفي رواية ابن ماجة: (إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء) [حم 4591، ت 67، ن 52، د 63، جه 517، دمي 732، وصححه ابن خزيمة والدارقطني وابن خزيمة والنووي وابن حجر، وضعفه آخرون كابن عبد البر، وأعله شيخ الإسلام ابن تيمية بالوقف على ابن عمر، وانظر مجموع الفتاوى 21/30، وشرح العودة على البلوغ 1/ 122]

لكن هذا الاستدلال ليس صريحا، فإن قول السائل (وما ينوبه) يشمل بول السباع في الماء وروثها. [عون المعبود 1/71] 

وقد يقال إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك الاستفصال عن جنس إتيان السباع والدواب للماء، فيعم.

القول الثالث: أن سؤر جميع الحيوانات طاهر غير الكلب والخنزير وما تولد منها، وهو مذهب الشافعية، واستدلوا بما يأتي:

1- عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة منها؟ فقال: لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور) [جه 519، وضعفه البيهقي، ومن المتأخرين ضعفه الألباني، والحديث فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقد ضعفه علي بن المديني جدا، وضعفه النسائي، وقال يحيى بن معين لي بشيء] 

2- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتي دار قوم من الأنصار، ودونهم دار، يعني لا يأتيها، فشق ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن في داركم كلبا، قالوا: فإن في دارهم سنورا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: السنور سبع) [حم 9415، هق 1196، كم 654، قط 180، والحديث فيه عيسى بن المسيب، وقد ضعف عيسى بن المسيب كل من يحيى بن معين والنسائي والدارقطني وأبو حاتم الرازي، والحديث ضعفه ابن الجوزي وابن الملقن، والألباني من المتأخرين]

ووجه الدلالة عدم تفريق النبي -صلى الله عليه وسلم- بين السنور وبين الكلب، وأنهما يستويان، وقد جعله سبعا، فإذا كان سؤر الهر طاهرا، فكذلك سباع البهائم. 

3- عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (قيل يا رسول الله: أنتوضأ بما أفضلت الحمر؟ قال: نعم، وبما أفضلت السباع كلها) [هق 1/249] والحديث ضعفه النووي والدارقطني وابن الملقن والحافظ ابن حجر.

4- عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: "أن عمر بن الخطاب خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا، فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع؟ فقال: عمر بن الخطاب يا صاحب الحوض لا تخبرنا، فإنا نرد على السباع وترد علينا" [ك 45] وقال النووي: "هذا الأثر إسناده صحيح إلى يحيى بن عبد الرحمن، لكنه مرسل منقطع، فإن يحيى وإن كان ثقة فلم يدرك عمر، بل ولد في خلافة عثمان، هذا هو الصواب"

5- أن الحمار والبغل من الحيوانات التي يكثر استعمالها وتشتد حاجة الناس إليها، ولم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بتوقي سؤرها، كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علل في سؤر الهرة بأنها من الطوافين، فيقاس كل ما يشق التحرز منه.

القول الرابع: أن سؤر جميع الحيوانات طاهر، ويشمل ذلك الكلب والخنزير، لكن يكره الوضوء بسؤر ما لا يتوقى النجاسات من السباع والطير كالكلب والجلالة، وهذا مذهب المالكية.

والأقرب أن سؤر سباع الطير والحيوان نجس، ويستثنى من ذلك الهرة وما هو مثلها مما يشق التحرز منه، فالعلة ليست في كون الحيوان دون الهر في الخلقة، بل العلة كما ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي الطوافة، والتي تقتضي مشقة التحرز منه. [الموسوعة الكويتية 24/100]