** اختلف العلماء في أقل مدة الحيض، على أقوال:
القول الأول: أن أقل الحيض ثلاثة أيام بلياليها وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، واستدلوا بما يأتي:
1- عن عائشة -رضي الله عنها-: (أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال: لا إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي) [خ 325] ووجه الدلالة أنه قال (قدر الأيام) وأقل الجمع ثلاثة.
وأجيب بأنه يحتمل أن الحديث جرى مجرى الغالب، أو في امرأة عرف أنها تحيض أياما، ولهذا ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (إن أم حبيبة سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الدم، فقالت عائشة: رأيت مِرْكَنَها -وهو الإناء الكبير- ملآن دما، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي) [م 334]
2- حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- مرفوعا: (أقل الحيض ثلاث وأكثره عشر) [طب 7586، قط]
وأجيب بأن الحديث إسناده ضعيف جدا، فيه العلاء بن كثير وهو متروك، وقد قال الإمام أحمد: "الأحاديث المرفوعة في هذا باطلة، وكذلك الموقوفة على الصحابة" [فتح الباري لابن رجب 2/152، موسوعة الدبيان: الحيض ص134-143]
القول الثاني: أنه لا حد لأقله، وهو مذهب المالكية والظاهرية واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو ظاهر مذهب البخاري حيث بوب في الصحيح بابا "إذا حاضت في شهر ثلاث حيض ... ويُذكر عن علي وشريح إن امرأة جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرضى دينه أنها حاضت ثلاثا في شهر صُدِّقت ... وقال معتمر عن أبيه: سألت ابن سيرين عن المرأة ترى الدم بعد قرئها بخمسة أيام؟ قال: النساء أعلم بذلك" [خ كتاب الحيض]، وهذا القول هو الراجح، واستدلوا بما يأتي:
1- قوله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} فجعل غاية المنع هي الطهر، فدل على أن العلة هي الحيض وجودا وعدما، فمتى وجد الحيض ثبت الحكم وإلا فلا، وقد وصف الله الحيض بكونه أذى، فمتى وجد الحيض وجد الأذى، ولا فرق بين اليوم الثاني واليوم الأول، ولا بين الرابع والثالث.
2- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة وقد حاضت وهي محرمة بالعمرة: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري، قالت: فلما كان يوم النحر طهرت) فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- غاية المنع الطهر ولم يجعل الغاية زمنا معينا.
3- أن التقديرات والتفصيلات التي ذكرها الفقهاء ليست موجودة في كتاب الله ولا في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، مع أن الحاجة بل الضرورة داعية إلى بيانها، فلو كانت مما يجب على العباد فهمه والتعبد لله به لبينها الله ورسوله بيانا ظاهرا لكل أحد، لأهمية الأحكام المترتبة على ذلك من الصلاة والصيام والنكاح والطلاق والإرث وغيرها من الأحكام، فلما لم توجد هذه التقديرات والتفصيلات في كتاب الله ولا في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- علم أنه لا تعويل عليها، وإنما التعويل على مسمى الحيض.
4- اختلاف أقوال المحددين واضطرابها، فإن ذلك يدل على أن ليس في المسألة دليل يجب المصير إليه، وإنما هي أحكام اجتهادية معرضة للخطأ والصواب.
5- أن الحيض نوع من الأحداث، فلا يتقدر أقله بمدة كسائر الأحداث.
وكل ما رأته المرأة من دم طبيعي ليس له سبب من جرح ونحوه فهو دم حيض من غير تقدير بزمن أو سن إلا أن يكون مستمرا على المرأة لا ينقطع أبدا أو ينقطع اليوم واليومين فقط فيكون استحاضة وسيأتي الكلام عنها.
القول الثالث: أن أقله يوم وليلة وهو مذهب أكثر الشافعية والمشهور عند الحنابلة، واستدلوا بأنه لم يرد دليل على التحديد، فيرجع فيه إلى العرف، وقد وجد بالاستقراء أن أقله يوم وليلة.
القول الرابع: أن أقله يوم بدون ليلة، وهو رواية عن الشافعي وأحمد. [الموسوعة الكويتية 18/298]
** على القول بأنه لا حد لأقل الحيض، قد يشكل على هذا أن المطلقة قد تدعي خروجها من عدتها خلال ثلاثة أيام أو أقل، وقد اختلفت أجوبة القائلين بعدم التحديد على هذا الإشكال، ففرق المالكية بين العادة وبين العدة، فجعلوا القول بعدم تحديد الأقل خاص بالعادة، أما العدة فأقله يوم أو بعض يوم له بال، وقال الظاهرية بأنه لا مانع أن تصدق إذا قالت إنها خرجت من عدتها في ثلاثة أيام، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنها إن ادعت خلاف الظاهر كلفت بالبينة، وهذا القول هو الأقرب. [حاشية الخرشي 1/204، حاشية العدوي على كفاية الطالب 1/150، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/168، الفتاوى الكبرى 5/511، الموسوعة الكويتية 40/134]