** اختلف العلماء في أكثر مدة الحيض على أقوال:
القول الأول: أن أكثره خمسة عشر يوما، وهو مذهب الجمهور، واستدلوا بما يأتي:
1- ما روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعا: (النساء ناقصات عقل ودين، قيل وما نقصان دينهن؟ قال: تمكث إحداهن شطر دهرها لا تصلي)
وأجيب بأن الحديث لا أصل له، قال الحافظ في التلخيص: "لا أصل له بهذا اللفظ، قال الحافظ أبو عبد الله بن منده فيما حكاه ابن دقيق العيد في الإمام عنه: ذكر بعضهم هذا الحديث لا يثبت بوجه من الوجوه. وقال البيهقي في المعرفة: هذا الحديث يذكره بعض فقهائنا وقد طلبته كثيرا فلم أجده في شيء من كتب الحديث أو ولم أجد له إسنادا، وقال ابن الجوزي في التحقيق: هذا لفظ يذكره أصحابنا ولا أعرفه، وقال الشيخ أبو إسحاق في المهذب: لم أجده بهذا اللفظ إلا في كتب الفقهاء، وقال النووي في شرحه: باطل لا يعرف" [التلخيص الحبير 1/286، المجموع 2/402]
وأيضا فإن أيام الصبا تدخل في الحديث، ومن المعلوم أنها لا تحيض فيها، فيسقط الاستدلال به، وأيضا لو كانت تحيض عشرة أيام، وتطهر عشرة لاستقام الحديث، فلا دلالة فيه على الخمسة عشر. [الذخيرة 1/363]
2- أنه لا يمكن أن تحيض أكثر من خمسة عشر يوما، وإلا كان حيضها أكثر من طهرها.
وأجيب بأنه لا مانع من ذلك، وليس هناك دليل شرعي يمنع هذا.
القول الثاني: أن أكثره عشرة أيام، وهو مذهب الحنفية، واستدلوا بما روي عن أنس -رضي الله عنه- مرفوعا: (الحيض ثلاثة أيام وأربعة وخمسة وستة وسبعة وثمانية وتسعة وعشرة فإذا جاوز العشرة فهي استحاضة) [رواه ابن عدي وفيه الحسن بن دينار ضعيف، تركه يحيى بن معين وعبد الرحمن ابن مهدي وابن المبارك ووكيع، وقال أبو حاتم: متروك الحديث كذاب] وقد روي التحديد أيضا من حديث أبي أمامة وواثلة بن الأسقع ومعاذ بن جبل وابي سعيد الخدري -رضي الله عنهم- لكنها أحاديث ضعيفة لا تنجبر [راجع موسوعة الدبيان: الحيض ص172]
ولهذا قال ابن رجب: "والمرفوع كله باطل لا يصح، وكذلك الموقوف طرقه واهية، وقد طعن فيها غير واحد من أئمة الحفاظ" [فتح الباري لابن رجب 2/150]
القول الثالث: أن أكثره سبعة عشر يوما، وهو رواية عن الإمام أحمد ومذهب الظاهرية، واستدلوا بأنه لم يجدوا حيضا أكثر من سبعة عشر يوما.
القول الرابع: أنه لا حد لأكثره، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ونقله ابن رجب عن جماعة من الفقهاء فقال: "وروي نحو ذلك عن ميمون بن مهران والأوزاعي، ونقله حرب عن إسحاق وعلي بن المديني" [فتح الباري لابن رجب 2/138]
وقال النووي: "حكى الماوردي عن مالك ثلاث روايات في أكثر الحيض، إحداها خمسة عشر، والثانية سبعة عشر، والثالثة غير محدود"، ونقله النووي عن بعض الشافعية فقال: "وهذا قول طوائف من المحققين منهم الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني والقاضي حسين" [المجموع 2/407] وهذا القول هو الراجح.
وقال شيخ الإسلام: "أما إذا استمر الدم بها دائما فهذا قد علم أنه ليس بحيض؛ لأنه قد علم من الشرع واللغة أن المرأة تارة تكون طاهرا، وتارة تكون حائضا، ولطهرها أحكام ولحيضها أحكام" [مجموع الفتاوى 19/238]، واستدل بما يأتي:
1- قوله تعالى {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} فجعل غاية المنع هي الطهر، فدل على أن العلة هي الحيض وجودا وعدما، فمتى وجد الحيض ثبت الحكم وإلا فلا، وقد وصف الله الحيض بكونه أذى، فمتى وجد الحيض وجد الأذى، ولا فرق بين اليوم الثاني واليوم الأول، ولا بين الرابع والثالث.
2- عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (إن أم حبيبة سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الدم، فقالت عائشة: رأيت مِرْكَنَها -وهو الإناء الكبير- ملآن دما، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي) [م 334] ولم يحدد لها مدة بل أطلق وقال (قدر ما كانت تحبسك حيضتك).
3- أنه ليس هناك دليل صحيح على التحديد، ويدل لذلك اختلاف أقوال المحددين. [الموسوعة الكويتية 18/298]