الخميس 15 ربيع الأول 1446
الصفرة أو الكدرة
الأحد 29 مايو 2022 2:00 مساءاً
487 مشاهدة
مشاركة

خامسا: الصفرة أو الكدرة، بحيث ترى الدم أصفر كماء الجروح أو متكدرا بين الصفرة والسواد، وقد اختلف العلماء في الصفرة والكدرة على عدة أقوال أهمها وهي ما عليه دليل:

القول الأول: أنه إذا كانت الصفرة والكدرة في أثناء الحيض أو متصلة به قبل الطهر فهي من الحيض، وإن كانت بعد الطهر فليست بحيض، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة وجعله بعضهم مذهب المالكية وهذا هو الراجح، واستدلوا بما يأتي: 

1- قول أم عطية -رضي الله عنها-: "كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا" [د 307، وصححه النووي في المجموع 2/416] ورواه البخاري دون قولها "بعد الطهر" [خ 326] لكنه ترجم له بقوله: "باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض"، وهو يدل على عدم اعتبار الصفرة والكدرة بعد الطهر، ومفهومه أنه قبل الطهر يعتبر حيضا.

2- عن مولاة عائشة أنها قالت: "كان النساء يبعثن إلى عائشة -رضي الله عنها- بالدرجة -ضبط (الدِّرَجَة) وضبط (الدُّرْجَة) شيء تحتشي به المرأة لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء- فيها الكُرْسُف -القطن- فيه الصفرة من دم الحيضة، فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء" [ك 130، ورواه البخاري تعليقا بصيغة الجزم، وصححه النووي في المجموع 2/416] والقصة البيضاء ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض، ويلحق بالصفرة والكدرة ما إذا جف الدم وخرجت رطوبة من فرج المرأة، وهذا الأثر يدل على اعتبار الصفرة والكدرة من الحيض ما لم تطهر المرأة.

القول الثاني: أن الصفرة والكدرة تعتبران من الحيض بعد نزول الدم، أما قبله فلا تعتبر شيئا، وهذا مذهب أبي يوسف من الحنفية، واستدل بحديث علقمة بن أبي علقمة عن أمه مولاة عائشة أنها قالت: "كان النساء يبعثن إلى عائشة -رضي الله عنها- بالدرجة -ضبط (الدِّرَجَة) وضبط (الدُّرْجَة) شيء تحتشي به المرأة لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء- فيها الكُرْسُف -القطن- فيه الصفرة من دم الحيضة فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء" [ك 130، ورواه البخاري تعليقا بصيغة الجزم، وصححه النووي في المجموع 2/416] فجعلت الصفرة حيضا بعد نزول الحيض.

وأجيب بأن قول أم عطية يدل على أن المعتبر هو ما قبل الطهر مطلقا، سواء أكان في أول الحيض أم في آخره.

القول الثالث: أن الصفرة والكدرة حيض مطلقا، وهو مذهب المدونة وأصح الأوجه عند الشافعية بشرط أن يكون في زمن الإمكان، واستدلوا بما يأتي: 

1- عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: "كنا في حجرها -يعني في حجر أسماء بنت أبي بكر كما فسرته رواية المصنف- مع بنات أخيها، فكانت إحدانا تطهر ثم تصلي، ثم تنتكس بالصفرة اليسيرة فتسألها فتقول: اعتزلن الصلاة ما رأيتن ذلك حتى ترين البياض خالصا" [هق 1/336، دمي 861، مصنف ابن أبي شيبة 1/117، وحسنه الدبيان في موسوعة الطهارة: الحيض ص285، وصححه الشيخ حسين أسد]

وأجيب عنه بأنه مخالف لما روته أم عطية وله حكم الرفع.

2- أنها إذا كانت في زمن الحيض حيضا، فكذلك في غير زمنه.

وأجيب بأن الأدلة الأخرى فرقت بين الأمرين، وأيضا فإن الصفرة والكدرة إذا كانتا في زمن الحيض، فهما من أثره غالبا، فيلحقا به، بخلاف ما إذا كانا في زمن الطهر، ويثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا.

القول الرابع: أن الصفرة والكدرة ليست بحيض مطلقا، وهذا مذهب ابن حزم، واستدلوا بما يأتي: 

1- عن فاطمة بنت أبي حبيش: (أنها كانت تستحاض فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف، فأمسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فتوضئي فإنما هو عرق) [ن 362، د 286] ووجه الدلالة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمرها بالإمساك عن الصلاة إلا إذا رأت الدم الأسود، والصفرة والكدرة ليسا من الدم.

وأجيب إما بضعف الحديث، وسيأتي الكلام عنه في المستحاضة، أو بأن هذا الحكم خاص بالمستحاضة، فإنها إذا اختلط عليها دم الحيض بدم الاستحاضة ولم يكن لها عادة، فإنها تميز دم الحيض عن الاستحاضة بمثل ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم-.

2- أم عطية -رضي الله عنها- قالت: "كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئا" [خ 326] 

وأجيب بأنه مقيد بالرواية الأخرى "كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا" [د 307، وصححه النووي في المجموع 2/416]، وهذه الزيادة وإن لم ترد في البخاري إلا أن البخاري نفسه اعتمدها في فقه ترجمته للباب فقال: "باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض".

3- عن عائشة أنها قالت: "ما كنا نعد الكدرة والصفرة شيئا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" [هق 1/337] 

وأجيب بأن الأثر ضعيف، وقد ضعفه البيهقي فقال في أوله: "وروي عن عائشة بإسناد ضعيف لا يسوءني ذكره"

وإذا كانت الصفرة والكدرة قبل الحيض ففيها الخلاف السابق، والحنفية والمالكية وهو ظاهر كلام الحنابلة يرون أنه حيض إذا كان في زمن العادة، لكن على القول الراجح بأن العادة قد تتقدم أو تتأخر، فإنه قد يقال إذا جاءت الصفرة والكدرة في زمن العادة فهي حيض، وإذا كانت المرأة تعرف بهما عادتها، بمعنى أنها اعتادت أن ينزل عليها صفرة وكدرة قبل حيضها، فهو حيض سواء تقدم الحيض أو تأخر ما لم يطبق عليها، وإذا كانت الصفرة والكدرة مصحوبة بأوجاع الحيض فهو حيض، وإذا شكت المرأة فالأصل الطهر. [المنتقى شرح الموطأ 1/119، الجوهرة النيرة 1/30، التاج والإكليل 1/539، الفروع 1/273، الموسوعة الكويتية 10/295]