الأحد 4 ربيع الأول 1446

فقه الصيام

أحكام النية في الصوم وتعليقها
الخميس 26 يناير 2023 2:00 مساءاً
442 مشاهدة
مشاركة

النية في الصوم وتعليقها

أولا: الصوم الواجب، وهو أنواع:

1- صوم النذر والكفارة:

** نقل الكاساني والماوردي الإجماع على أنه لا بد من تبييت النية من الليل في صوم النذر المطلق والكفارة، أما النذر المعين فعند الحنفية يجوز عقد النية من بعد الفجر إلى ما قبل الزوال. [الهداية مع نصب الراية 2/528، الحاوي الكبير 3/243، بدائع الصنائع 2/85] 

2- صوم رمضان:

** اختلف العلماء في وجوب النية لرمضان على قولين:

القول الأول: وهو مذهب جماهير العلماء والفقهاء أن نية الصوم لشهر رمضان واجبة، هذا مع اختلافهم في وجوب تبييتها لكل ليلة وعدم وجوب ذلك. 

القول الثاني: أن صوم رمضان في حق المقيم جائز بدون النية، وهو قول زفر من الحنفية، وهو قول عطاء ومجاهد، واستدلوا على ذلك بما يأتي:

1- قوله تعالى {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} فأمر بصيامه ولم يأمر فيه بالنية.

وأجيب بأنه قد ثبت في أدلة أخرى وجوب النية لكل عمل، مثل قوله تعالى {وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى} وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيات) [خ 1، م 1907] وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل)، أما الآية التي استدل بها فهي مجملة وقد وردت السنة ببيانها، 

2- أن صوم رمضان مستحق الصوم يمنع من إيقاع غيره فيه. 

وأجيب عنه بأنه منتقض بمن بقي عليه من وقت الصلاة قدر ما يؤديها فيه، فقد استحق زمانها عليه ومنع من إيقاع غيرها فيه، ومع ذلك فالنية واجبة في تلك الصلاة. والقول الأول هو الصحيح بلا شك. [الحاوي الكبير 3/243، بدائع الصنائع 2/125]

** اختلف العلماء في وجوب تبييت النية لكل ليلة من رمضان على أقوال:

القول الأول: وهو مذهب الحنفية، أنه يجب أن ينوي كل ليلة من الليل، لكن إن نوى بعد الفجر وقبل الزوال أجزأه، واستدلوا على ذلك بما يأتي:

1- قوله -صلى الله عليه وسلم- بعدما شهد الأعرابي برؤية الهلال: (ألا من أكل فلا يأكلن بقية يومه، ومن لم يأكل فليصم) 

وأجيب عنه بما قاله في نصب الراية: "حديث غريب وذكره ابن الجوزي في التحقيق وقال إن هذا حديث لا يعرف، وإنما المعروف أنه شهد عنده برؤية الهلال فأمر أن ينادى في الناس أن تصوموا غدا"

2- حديث الربيع بنت معوذ -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: (من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه) [خ 1960، م 1136]

وأجيب بأن النية هنا حصلت منهم في وسط النهار لأن وجوب الصوم تجدد في أثناء النهار، فأجزأتهم النية حين تجدد الوجوب. 

القول الثاني: وهو مذهب المالكية ورواية عند الحنابلة أنه إن نوى في أول ليلة لجميع الشهر أجزأه، واستدلوا على ذلك بما يأتي: 

1- أن شهر رمضان عبادة كالصلاة الواحدة فتجزيء نية واحدة.

ورد هذا بأنه يلزم عليه أنه إذا فسد يوم فسدت الأيام التي قبله، فالصحيح أن كل يوم عبادة مستقلة.

2- أن كل عبادة يجب تتابعها يكفي فيها نية واحدة.

وأجيب بأن هذا مصادرة في البحث، فمن سلم بهذه القاعدة حتى يبنى عليها حكم.

القول الثالث: وهو مذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يجب تبييت النية لكل ليلة من الليل، واستدلوا بما يأتي:

1- حديث حفصة -رضي الله عنها- مرفوعا: (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له) [حم 25918، ن 2331، ت 730، د 2454، جه 1700، قال الحافظ: "واختلف الأئمة في رفعه ووقفه، فقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا أدري أيهما أصح ... لكن الوقف أشبه، وقال أبو داود: لا يصح رفعه، وقال الترمذي: الوقف أصح، ونقل في العلل عن البخاري أنه قال: هو خطأ، وهو حديث فيه اضطراب، والصحيح عن ابن عمر موقوف، وقال النسائي: الصواب عندي موقوف ولم يصح رفعه، وقال أحمد: ما له عندي ذلك الإسناد ... وقال البيهقي: رواته ثقات إلا أنه روي موقوفا، وقال الخطابي: أسنده عبد الله بن أبي بكر، وزيادة الثقة مقبولة، وقال ابن حزم: الاختلاف فيه يزيد الخبر قوة، وقال الدارقطني: كلهم ثقات" التلخيص الحبير 2/188، وقال ابن القيم: "وأكثر أهل الحديث يقولون الموقوف أصح"، زاد المعاد 2/73، وصوب الشيخ الطريفي وقفه، والحديث صححه الألباني] 

2- أنه صوم يوم واجب فوجب أن يكون تقديم النية من شرطه من الليل.

والأقرب هو وجوب تبييت النية لكل ليلة في الفرض لدلالة حديث حفصة -رضي الله عنها- على ذلك، وهو وإن كان فيه اختلاف في وقفه ورفعه، فالموقوف منه له حكم الرفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- 

[بدائع الصنائع 2/128، والهداية مع نصب الراية 2/525-529، المغني 4/333-335، الحاوي الكبير 3/244، شرح الزركشي 2/563، المحلى 4/285، مجموع الفتاوى 25/120، حاشية الخرشي 3/28، الإنصاف 3/295]



ثانيا: صوم النفل

** اختلف العلماء في وجوب تبييت النية لصوم النفل على أقوال:

القول الأول: وهو مذهب الحنفية والشافعية أنه يجوز عقد النية قبل الزوال، واستدلوا بما يأتي:

1- عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم: يا عائشة هل عندكم شيء؟ قالت: فقلت يا رسول الله ما عندنا شيء، قال: فإني صائم) [م 1154]

2- أنه صوم نفل فيوسع فيه، كما أن الصلاة المكتوبة يجب فيها من الأركان كالقيام والاستقرار على الأرض ما لا يجب في التطوع توسيعا من الله على عباده في طرق التطوع، فإن أنواع التطوعات دائما أوسع من أنواع المفروضات. 

3- أن هذا قد ورد عن أبي الدرداء وأبي هريرة وابن عباس وحذيفة كما علق ذلك البخاري [الفتح 4/140] 

القول الثاني: وهو مذهب المالكية والظاهرية أنه يجب تبييت النية من الليل لصوم النفل، ولا تجزيء من النهار، واستدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم-: (لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل) 

وأجيب عنه بأنه عام مخصوص، ثم إن المالكية أنفسهم لم يأخذوا بعمومه فقالوا بإجزاء نية واحدة من أول الشهر عن كل رمضان.

القول الثالث: وهو مذهب الحنابلة وقول في مقابل المصحح عند الشافعية وهو الراجح أنه يجوز عقد النية من أي وقت من النهار، واستدلوا بأدلة أصحاب القول الأول، قالوا: ولا فرق بين أن يكون ذلك قبل الزوال أو بعده. 

وهل يكتب له أجر صيام كل اليوم أم من حين النية؟ فيه خلاف بين العلماء:

القول الأول: وهو المشهور عند الحنابلة وهو وجه عند الشافعية أنه يكتب له من حين النية، وقد قال الإمام أحمد: "من نوى في التطوع من النهار، كتب له بقية يومه، وإذا أجمع من الليل كان له يومه".

القول الثاني: وهو المصحح عند الشافعية وقول بعض الحنابلة أنه يكتب له أجر اليوم كاملا؛ لأن الصوم لا يتبعض؛ ولأنه لو أدرك بعض الركعة أو بعض الجماعة كان مدركا لجميعها.

وأجيب بأن دعوى أن الصوم لا يتبعض هي دعوى محل النزاع، وإنما يشترط لصوم البعض أن لا توجد المفطرات في شيء من اليوم، ولهذا جاء في حديث سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: (أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا من أسلم أن أذن في الناس، أن من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء) [خ 2007، م 1135].

والقول بأن من أدرك الركعة أو الجماعة كتب له كلها، إنما معناه أنه لا يحتاج إلى قضاء ركعة، وليس معناه أن أجره كأجر من أدرك الصلاة من أولها. 

والصحيح هو القول الأول، لعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى)، وهذا لم ينو إلا من النهار، وعلى هذا فإذا أراد صيام نافلة مقيدة أو معينة، فلا بد من النية من الليل، وذلك مثل صيام ستة أيام من شوال، ويوم عرفة وغيرها، لأن من صام يوم عرفة من منتصفه لا يصدق عليه أنه صام يوم عرفة إلا إذا نواه من الليل.


وهل يشترط ألا يأتي بمفطر قبل النية؟ فيه خلاف بين العلماء:

القول الأول: وهو المشهور عند الحنابلة وهو الصحيح أنه يشترط ذلك، قال في المغني: "بغير خلاف نعلمه".

القول الثاني: وهو مذهب الشافعية أننا إذا قلنا إنه يثاب من طلوع الفجر، فإنه يشترط جميع شروط الصوم من أول النهار، فإن كان أكل أو جامع أو فعل غير ذلك من المفطرات لم يصح صومه، وإن قلنا إنه يثاب من أول النية، ففي اشتراط خلو أول النهار عن الأكل والجماع وغيرهما وجهان عند الشافعية، أصحهما أنه يشترط ذلك أيضا، والوجه الثاني وهو محكي عن أبي العباس بن سريج أنه لا يشترط ذلك، فلو كان أكل أو جامع ثم نوى، صح صومه ويثاب من حين النية.

[الهداية مع نصب الراية 2/530، المجموع 6/306، الحاوي الكبير 3/251، المغني 4/340، 3/114، حاشية الخرشي 3/28، المحلى 4/296، الجامع للاختيارات الفقهية لابن تيمية 1/452]


** اختلف العلماء في مسألة تعليق النية في الصيام:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ثم إذا صامه بنية مطلقة أو بنية معلقة بأن ينوي إن كان من شهر رمضان كان عن رمضان وإلا فلا، فإن ذلك يجزيه في مذهب أبي حنيفة وأحمد في أصح الروايتين عنه، وهي التي نقلها المروذي وغيره وهذا اختيار الخرقي في شرحه للمختصر واختيار أبي البركات وغيرهما. 

والقول الثاني: أنه لا يجزئه إلا بنية أنه من رمضان، كإحدى الروايتين عن أحمد اختارها القاضي وجماعة من أصحابه. 

وأصل هذه المسألة أن تعيين النية لشهر رمضان: هل هو واجب؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد. 

أحدها: أنه لا يجزئه إلا أن ينوي رمضان فإن صام بنية مطلقة أو معلقة أو بنية النفل أو النذر لم يجزئه ذلك كالمشهور من مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايات. 

والثاني: يجزئه مطلقا كمذهب أبي حنيفة. 

والثالث: أنه يجزئه بنية مطلقة لا بنية تعيين غير رمضان وهذه الرواية الثالثة عن أحمد وهي اختيار الخرقي وأبي البركات. 

وتحقيق هذه المسألة: أن النية تتبع العلم فإن علم أن غدا من رمضان فلا بد من التعيين في هذه الصورة، فإن نوى نفلا أو صوما مطلقا لم يجزئه، لأن الله أمره أن يقصد أداء الواجب عليه وهو شهر رمضان الذي علم وجوبه فإذا لم يفعل الواجب لم تبرأ ذمته. 

وأما إذا كان لا يعلم أن غدا من شهر رمضان فهنا لا يجب عليه التعيين، ومن أوجب التعيين مع عدم العلم فقد أوجب الجمع بين الضدين.

فإذا قيل إنه يجوز صومه، وصام في هذه الصورة بنية مطلقة أو معلقة أجزأه، وأما إذا قصد صوم ذلك تطوعا ثم تبين أنه كان من شهر رمضان، فالأشبه أنه يجزئه أيضا كمن كان لرجل عنده وديعة ولم يعلم ذلك فأعطاه ذلك على طريق التبرع، ثم تبين أنه حقه فإنه لا يحتاج إلى إعطائه ثانيا، بل يقول ذلك الذي وصل إليك هو حق كان لك عندي، والله يعلم حقائق الأمور." [مجموع الفتاوى 25/100]

وقال السعدي: "قوله [وإن قال: إن كان غدا من رمضان فهو فرضي لم يضره إن كان في آخره؛ لأنه بنى على أصل، ويضر إن قال في أوله لأنه لم يبن على أصل]: فيه نظر فإن هذا الذي عليه لا يمكنه أن ينوي غير ذلك إلا نية تقديرية فرضية، لا نية واقعية، والتفريق بين الأمرين غير وجيه، فإنه إن كان لا يجزيء في أوله فلا يجزيء في آخره، وإن كان يجزيء في آخره وهو الصواب فكذلك يجزي في أوله" [المختارات الجلية ص 75]


** إن نوت الحائض أو النفساء الصوم قبل انقطاع الدم ثقة منها بالعادة، وانقطع الدم قبل الفجر، ففيه خلاف بين العلماء:

القول الأول: أنه يجزئها عن صيام ذلك اليوم في مذهب الشافعية والحنابلة. 

القول الثاني: وهو قول لبعض الفقهاء أنه لا يجزئها، لأنها ليست أهلا للوجوب، وهذا القول هو اختيار شيخنا ابن عثيمين.

والقول الأول هو الراجح، لأن تلك النية لا تعدو أن تكون نية معلقة، والقول بأنها ليست أهلا للوجوب غير مسلم، لأن الحيض والنفاس ليس لهما تأثير في أهلية الوجوب. 

[أسنى المطالب 1/414، مطالب أولي النهى 2/186، الفروع 3/39، الإنصاف 3/294، انظر عوارض الأهلية عند الأصوليين ص282، الموسوعة الكويتية 7/164]


التداخل في نية الصوم

أولا: التداخل في الصوم الواجب

** الصيام الواجب إما أن يكون واجبا بأصل الشرع، كصيام رمضان، والصيام في الكفارات، وإما أن يكون واجبا بالنذر، والأصل في الصيام الواجب عدم التداخل؛ لأن كل نوع مقصود لذاته.

إلا أن العلماء اختلفوا في التداخل بين صوم رمضان وصوم النذر، وصورته أن ينذر صوم شهر حين مقدم فلان، ثم يقدم أول رمضان، فهل يجزئه صوم رمضان عن النذر؟ فيه خلاف على ثلاثة أقوال: 

القول الأول: أن النذر لا ينعقد، وهو مذهب الحنفية والمالكية، لأنه وافق محل صوم واجب فسقط.

القول الثاني: أن صوم رمضان يجزيء عن النذر، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها ابن قدامة، ورجحه شيخنا رحمه الله؛ لأن قصد الناذر أن يكون حيث قدوم فلان صائما، وقد حصل.

وهل التداخل هنا بالفعل والنية أم بالفعل فقط؟ ذهب ابن قدامة إلى أن التداخل بالفعل فقط، فلا بد أن ينوي الفرض والنذر، وذهب المجد ابن تيمية إلى أنه بالنية والفعل، فلا يشترط أن ينوي النذر.

القول الثالث: أن صوم رمضان لا يجزيء عن النذر، وهو الظاهر من مذهب الشافعية، والمشهور عند الحنابلة، وهو الأقرب؛ لأن كل عبادة منهما مقصودة لذاتها على سبيل الوجوب، وكما أن حج الفريضة لا يجزيء عن النذر عند الجمهور فكذلك هنا.

** هل يتداخل صيام النذر؟ كما لو نذر إن قدم زيد أن يصوم اليوم التالي من قدومه، ونذر صوم يوم الخميس، وقدم يوم الأربعاء؟ ذكر النووي أنه لا يجزئه صوم يوم الخميس عن النذرين، بل يصوم ويقضي أحد النذرين.

** هل يتداخل صوم رمضان مع الصوم في الاعتكاف إذا قلنا إن الصوم في الاعتكاف واجب؟ فيه حالات:

الحال الأولى: أن يكون سبب وجوب الصيام في الاعتكاف، الاعتكاف نفسه، يعني على القول بوجوب الصوم للاعتكاف، فالجمهور على إجزاء صوم رمضان في هذه الحال، لأن اشتراط الصوم في الاعتكاف غير مقصود لذاته.

الحال الثانية: أن يكون سبب وجوب الصوم في الاعتكاف نذر الاعتكاف مقرونا بالصوم، فإن نذر أن يعتكف وهو صائم، فيجزيء صوم رمضان عن الصوم في الاعتكاف، وإن نذر أن يعتكف بصوم فقد نص النووي والمرداوي على أنه لا يجزيء رمضان عن صوم الاعتكاف، بل لا بد له من صوم خاص؛ لأن هذه الصيغة قد تضمنت التزامه بصوم، فأشبه الصوم المنذور.


ثانيا: التداخل بين الصيام الواجب والمسنون

** مثاله أن يكون عليه قضاء رمضان، أو كفارة، أو نذر، فيصومها بنية الواجب ونية مسنون كست من شوال، وعرفة، وعاشوراء، والاثنين والخميس، ونحن ذلك، فهل يحصل له بالصوم الواجب، الواجب والمسنون معا؟ فيه خلاف بين العلماء:

القول الأول: أنه لا تداخل بين الصوم الواجب والمسنون، ولو نواهما معا، وهذا مذهب الجمهور، لأنهما صومان مقصودان لذاتهما، فلم يتداخلا، وكما أن صلاة الفرض لا تتداخل مع النافلة عند عامة الفقهاء، فكذلك الصيام، إلا ما دل الدليل على أنه غير مقصود لذاته كتحية المسجد.

فإن نوى الفرض والمسنون في يوم واحد بطلا عند الجمهور.

القول الثاني: وهو جواز تداخل الصوم والواجب مع المسنون، وهو قول بعض المالكية والشافعية، وألحقوا ذلك بمسألة تحية المسجد.

والقول الأول هو الصحيح؛ لأن صيام عرفة وعاشوراء مقصود لذاته، بدليل ترتب أجر خاص على صيامهما، وقد يقال في صيام الاثنين والخميس إن صيامهما غير مقصود لذاته، بل المقصود أن يأتي ذلك اليوم وأنت صائم، لكن الأقرب أنه مقصود لذاته أيضا، وعلى هذا فلو صام القضاء يوم الإثنين أو الخميس فلا يحصل له فيما يظهر إلا نية القضاء، كمن صام رمضان، وصادفه الإثنين والخميس فلا يحصل له إلا صوم رمضان.


ثالثا: التداخل في الصيام المسنون

مثاله أن يجتمع يوم عرفه مع يوم الاثنين، فالقول بالتداخل له وجاهته، لا سيما أن صوم يوم الإثنين متردد بين أن يكون مقصودا لذاته، وغير مقصود لذاته.

[الأشباه والنظائر للسيوطي ص20 وما بعدها، التداخل وأثره في الأحكام الشرعية ص141، التداخل بين الأحكام في الفقه الإسلامي ص125، 512 وما بعدها]