الأحد 4 ربيع الأول 1446

فقه الصيام

من يجب عليه الصوم
الخميس 26 يناير 2023 2:00 مساءاً
430 مشاهدة
مشاركة

من يجب عليه الصوم 

** يجب الصوم على المسلم البالغ العاقل المقيم القادر السالم من الموانع.

** من أسلم أو بلغ أو عقل بعد جنون أو أقام بعد سفر أو قدر بعد عجز في نهار رمضان أو طهرت الحائض أو النفساء في نهار رمضان فهل يجب عليهم الإمساك، وهل يجب عليهم القضاء؟ فيه خلاف بين العلماء: 

القول الأول: أنه يجب عليهم الإمساك والقضاء، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، وقاعدة الحنابلة أن من أصبح من أهله في يومه وجب عليه الإمساك ووجب عليه القضاء، واستدلوا بما يأتي: 

1- أن هؤلاء حصل لهم معنى لو وجد قبل الفجر لوجب عليهم الصيام، فكذلك إذا طرأ بعد الفجر وجب عليهم الإمساك.

2- أن الإمساك حق للوقت فوجب احترامه.

3- أنهم لو أفطروا لصارت لهم تهمة، والتحرز من التهم واجب.

القول الثاني: أنه لا يجب عليهم الإمساك، ويجب القضاء، وهو مذهب المالكية والشافعية ورواية عن أحمد، واستدلوا بما يأتي: 

1- أنه لا يختلف أصحاب القول الأول أنه لا يجزئهم صيام هذا اليوم ويجب عليهم القضاء، فدل هذا على أن صيام هذا اليوم غير واجب، لأنه لا يؤمر بصيام يوم مرتين.

2- إذا جاز لهم الأكل أول النهار ظاهرا وباطنا قبل زوال العذر، جاز لهم ذلك في آخره.

والصحيح التفصيل:

أولا: من زال المانع الذي عنده، أو زالت الرخصة التي أفطر بسببها، وجب عليه القضاء ولم يجب عليه الإمساك، مثاله الحائض والنفساء إذا طهرتا، والمسافر إذا قدم مفطرا، والمريض إذا بريء في نهار رمضان، لأنه أبيح لهم الفطر أول النهار، فلهم أن يستديموه إلى آخره، ولأنه لا يجمع عليهم بين وجوب الإمساك ووجوب القضاء، وهذا القول هو مذهب المالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد، والشافعية يرون أنه يستحب للقادم من السفر والمريض الذي بريء أن يصوم.

ثانيا: من تجدد سبب الوجوب عنده وجب عليه الإمساك ولم يجب عليه القضاء، مثاله: من بلغ في نهار رمضان، أو عقل في نهاره أو أسلم، لأن العبادة لا تلزم قبل وجود أسبابها، وهو مذهب أبي حنيفة على تفصيل عندهم واختلاف، وهو اختيار شيخ الإسلام. [الإنصاف 3/282، مجموع الفتاوى 25/109، شرح المشيقح 4/282-285]

** لا يجب الصوم على الكافر الأصلي في حق أحكام الدنيا، وإن كان القول الراجح -وهو قول الجمهور- أن الكفار مخاطبون بفروع الشرعية؛ لأن مخاطبة الكفار بفروع الشريعة إنما تتعلق بعقابهم في الآخرة، لا بأمرهم بذلك في الدنيا، ويدل لذلك ما يأتي:

1- حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءته حلل من حرير، فأعطى عمر منها حلة وقال له: (إني لم أكسكها لتلبسها)، فكساها عمر بن الخطاب أخا له بمكة مشركا [خ 886، م 2068]

وقد تأول بعض العلماء ذلك بأنه أهداها إياه لا ليلبسها، وهذا ضعيف؛ لأن الكافر يحمله كفره في الغالب على لبس الحرير، وعدم التورع عنه، ولو كان الكافر من أهل التحريم لما أعين عليه بإهدائه له، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن قرر حرمة الحرير على الذكور كبارا وصغارا: "وما حرم لبسه لم تحل صنعته، ولا بيعه لمن يلبسه من أهل التحريم، ولا فرق في ذلك بين الجند وغيرهم؛ فلا يحل للرجل أن يكتسب بأن يخيط الحرير لمن يحرم عليه لبسه؛ فإن ذلك إعانة على الإثم والعدوان، وهو مثل الإعانة على الفواحش ونحوها، وكذلك لا يباع الحرير لرجل يلبسه من أهل التحريم، وأما بيع الحرير للنساء فيجوز، وكذلك إذا بيع لكافر؛ فإن عمر بن الخطاب أرسل بحرير أعطاه إياه النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل مشرك" [مجموع الفتاوى 22/143] 

2- أن ظاهر هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- والسلف أنهم كانوا ينفقون على زوجاتهم الكتابيات، ويخالطهم الخدم والرقيق والأجراء من غير المسلمين، ومن الضرورة أن يحتاج هؤلاء مأكلا ومشربا، ومهمة إطعامهم تعود إلى الأسياد والأزواج وأرباب العمل بالمباشرة أو التسبب، ولو كان المنع من إعانتهم على الأكل في نهار رمضان، أو على ملابستهم للمحرمات حكما مستقرا لنُقل إلينا.

3- أنه يجوز بيع التاجر المسلم الطعام على الكفار في رمضان، رغم غلبة الظن أنه يأكله في نهاره.

4- أنه لا يُشرع الاحتساب على الكافر إذا أكل أو شرب في نفسه، كما لا يحتسب عليه في تركه الصلاة والزكاة ونحو ذلك، وأيضا فإنه إذا ألزم المسلمُ الكافر بعمل، لم يجب عليه أن يترك له وقتا كافيا لأداء الصلاة.

قال الكاساني: "وأما الشرائط التي تخص بعض الصيامات دون بعض وهي: شرائط الوجوب، فمنها: الإسلام، فلا يجب الصوم على الكافر في حق أحكام الدنيا بلا خلاف حتى لا يخاطب بالقضاء بعد الإسلام، وأما في حق أحكام الآخرة فكذلك عندنا وعند الشافعي يجب" [بدائع الصنائع 2/87]

وقال المرداوي: "الكافر لا يخلو: إما أن يكون أصليا أو مرتدا، فإن كان أصليا لم تجب عليه، بمعنى أنه إذا أسلم لم يقضها، وهذا إجماع، وأما وجوبها بمعنى أنه مخاطب بها فالصحيح من المذهب أنهم مخاطبون بفروع الإسلام وعليه الجمهور" [الإنصاف 1/390]

وقال البهوتي: "(ولا تجب) الخمس (على كافر أصلي) لأنها لو وجبت عليه حال كفره لوجب عليه قضاؤها؛ لأن وجوب الأداء يقتضي وجوب القضاء واللازم منتف، (بمعنى أنا لا نأمره) أي الكافر (بها) أي بالصلاة (في كفره ولا بقضائها إذا أسلم)" [كشاف القناع 1/223]

وفي شرح المحلي: "ووجوبه -أي الصوم- على الكافر مع عدم صحته منه، وجوب عقاب عليه في الآخرة كما تقرر في الأصول" [حاشيتا قليوبي وعميرة 2/81]

وقال ابن كثير: "ولهذا كان أصح الأقوال أنهم مكلفون بفروع الشرائع أمرها ونهيها بالنسبة إلى الدار الآخرة" [تفسير ابن كثير 4/314]

وقال في حاشية الجمل: "قال في العباب ولا يمنع ذمي لبس حرير وتعمما وتطيلسا وتطيبا كثيرا وإفطارا في رمضان. ا.هـ، وعدم منعه من الإفطار لا ينافي حرمته عليه، فإنه مكلف بفروع الشريعة، ومن ثم أفتى شيخنا م ر بأنه يحرم على المسلم أن يسقي الذمي في رمضان بعوض أو غيره؛ لأن في ذلك إعانة على معصية، لكن يشكل عليه أنه يجوز الإذن له في دخول مسجد وإن كان جنبا، إلا أن يفرق بأن حرمة الفطر أشد وبأنه أدل على التهاون بالدين فليتأمل" [حاشية الجمل 5/226، زاد المعاد 5/620، وينظر فتاوى الرملي 4/317 فإنه أفتى بأن إطعام المسلم المكلف الكافرَ في شهر رمضان حرام، وكذا بيعه طعاما علم أو ظن أنه يأكله فيه، وينظر الشرح الممتع 13/398]