الجمعة 25 جمادي الآخر 1446
المفسد الأول: الجماع
الخميس 26 يناير 2023 2:00 مساءاً
577 مشاهدة
مشاركة

المفسد الأول: الجماع.

** وهو إيلاج الذكر في الفرج، وهو أعظم المفطرات وأكبرها إثما، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على أنه من المفطرات، وقد نقل الإجماع ابن حزم، وابن قدامه، وشيخ الإسلام ابن تيمية، كما أن إيجاب الكفارة المغلظة، وقول الصحابي لما أتي النبي -صلى الله عليه وسلم- (هلكت) يدل على أنه من كبائر الذنوب، وهذا محل اتفاق بين العلماء كما نقله ابن العربي. [القبس في شرح الموطأ 1/498]

** من جامع في نهار رمضان في يوم يجب عليه صيامه لزمه أمور:

أولا: الإثم.

ثانيا: بطلان الصوم.

ثالثا: لزوم الإمساك.

رابعا: لزوم القضاء، عند الجمهور خلافا لابن حزم وأحد قولي الشافعي. [المحلى 4/308، المغني 3/134]

خامسا: الكفارة المغلظة وهي:

1- عتق رقبة مؤمنة، وهذا مذهب الجمهور، خلافا للحنفية الذين أجازوا عتق الرقبة الكافرة ما لم يكن حربيا، وسيأتي في كتاب الظهار تفصيل حكم الرقبة.

2- فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما إلا لعذر شرعي كأيام العيد والتشريق أو لعذر حسي كالمرض والسفر لغير قصد الفطر، فإن أفطر لغير عذر ولو يوما واحدا لزمه استئناف الصيام من جديد ليحصل التتابع، واتفق الأئمة على اشتراط التتابع.

3- فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، وجنس المطعم وقدره، قد سبق في مسألة الفدية على من لا يستطيع الصوم.

ويدل لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قال وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا، قال: ثم جلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق -وعاء- فيه تمر فقال تصدق بهذا، قال: أعلى أفقر منا يا رسول الله، فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال اذهب فأطعمه أهلك) [خ 1936، م 1111] 

** هل الكفارة على الترتيب أو التخيير؟ 

مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة أنها على الترتيب، وهو الراجح لحديث أبي هريرة السابق، ومذهب المالكية ورواية عن الإمام أحمد أنها على التخيير.

** إن جامع في صوم واجب غير رمضان كقضاء رمضان لم تجب عليه الكفارة؛ لأن الكفارة وجبت لحرمة الشهر، وهذا هو مذهب الجمهور خلافا لقتادة، فقد ذهب إلى وجوب الكفارة في الجماع في نهار قضاء رمضان. [الفروع 3/86]

** المرأة مثل الرجل في ذلك ما لم تكن معذورة، وهذا مذهب الحنفية والمالكية وهو المشهور في مذهب الحنابلة، وعن الشافعي قولان، الثاني منهما: أنه لا كفارة عليها، وهو الرواية الثانية عند أحمد.

فإن قيل لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يذكر أن عليها كفارة في الحديث؟

فالجواب أن الرجل استفتى عن نفسه، والمرأة لم تستفت، وحالتها تحتمل أن تكون معذورة أو مكرهة، فلما لم تستفت لم يذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم-، والاستفتاء لا يشترط فيه البحث عن حال الشخص الآخر ولهذا لما جاءت امرأة أبي سفيان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تشتكيه بأنه لا ينفق، لم يطلب أبا سفيان ليسأله بل أذن لها أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها بالمعروف [خ 5364، م 1714] ثم إن الأصل تساوي الرجال والنساء في سائر الأحكام إلا بدليل.

** إن جامع في يوم واحد مرتين فهل عليه كفارتان؟ لهذه المسألة حالتان:

الحال الأولى: إن لم يكفر عن الأولى فعليه كفارة واحدة بغير خلاف كما قال صاحب المغني [4/385، 386] 

الحال الثانية: إن كفر عن الأولى ففي هذا خلاف بين أهل العلم، ومنشأ الخلاف هو: هل سبب وجوب الكفارة الفطر من الصوم أم الفطر من الصوم الصحيح.

فمن قال إن سبب وجوب الكفارة هو الفطر من الصوم قال إن من جامع في يوم مرتين وكان قد كفر عن المرة الأولى لزمه كفارة أخرى، لأنه عندما أبطل صيامه بالجماع الأول لزمه الإمساك والقضاء، فلما جامع مرة أخرى كان قد جامع في صيام فلزمه كفارة ثانية.

ومن قال إن سبب وجوب الكفارة هو الفطر من الصيام الصحيح قال إن من جامع في يوم مرتين وكان قد كفر عن المرة الأولى لم تلزمه كفارة ثانية عن الجماع الثاني، لأن الإمساك الذي فعله بعد الجماع الأول لا يعتبر صياما صحيحا.

والصواب القول بأن سبب الكفارة هو الفطر من الصوم، لأمور:

1- لئلا ينفتح باب الحيلة أمام الناس، فيفطر الواحد منهم بالأكل ثم يجامع أهله، فإنه إن أفطر بالأكل عامدا بغير عذر لزمه الإمساك والقضاء، فإن جامع فعلى القول بأن سبب الكفارة الفطر من الصوم تلزمه كفارة، وعلى القول بأن سبب الكفارة هو الفطر من الصوم الصحيح لا تلزمه كفارة.

2- لأن هذا الذي كفر عن الجماع الأول ثم جامع أخرى قد انتهك الشهر انتهاكا أعظم ممن جامع مرة واحدة؛ لأن الكفارة الأولى لم تردعه.

3- القياس على الحج، فكما أن المحرم بالحج إذا أفسد إحرامه لزمه المضي فيه بالإمساك عن محظوراته فإذا أتى شيئا منها كان عليه ما عليه من الإحرام الصحيح، فكذلك من وجب عليه صوم شهر رمضان إذا فسد صومه لزمه الإمساك عن محظورات الصيام، فإذا تناول شيئا منها كان عليه ما عليه في الصوم الصحيح، وفي كلا الموضعين عليه القضاء.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: "عن رجل أراد أن يواقع زوجته في شهر رمضان بالنهار فأفطر بالأكل قبل أن يجامع ثم جامع، فهل عليه كفارة أم لا؟ وما على الذي يفطر من غير عذر؟ 

فأجاب: الحمد لله، هذه المسألة فيها قولان للعلماء مشهوران: 

أحدهما: تجب، وهو قول جمهورهم كمالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم.

والثاني: لا تجب، وهو مذهب الشافعي، وهذا القولان مبناهما على أن الكفارة سببها الفطر من الصوم أو من الصوم الصحيح بجماع أو بجماع وغيره، على اختلاف المذاهب ... ثم تنازعوا هل يشترط الفطر من الصوم الصحيح؟ 

فالشافعي وغيره يشترط ذلك، فلو أكل ثم جامع أو أصبح غير ناو للصوم ثم جامع أو جامع وكفر ثم جامع لم يكن عليه كفارة لأنه لم يطأ في صوم صحيح، وأحمد في ظاهر مذهبه وغيره يقول: بل عليه كفارة في هذه الصور ونحوها لأنه وجب عليه الإمساك في شهر رمضان فهو صوم فاسد فأشبه الإحرام الفاسد، وكما أن المحرم بالحج إذا أفسد إحرامه لزمه المضي فيه بالإمساك عن محظوراته فإذا أتى شيئا منها كان عليه ما عليه من الإحرام الصحيح، وكذلك من وجب عليه صوم شهر رمضان إذا وجب عليه الإمساك فيه وصومه فاسد لأكل أو جماع أو عدم نية، فقد لزمه الإمساك عن محظورات الصيام، فإذا تناول شيئا منها كان عليه ما عليه في الصوم الصحيح، وفي كلا الموضعين عليه القضاء، وذلك لأن هتك حرمة الشهر حاصلة في الموضعين بل هي في هذا الموضع أشد لأنه عاص بفطره أولا، فصار عاصيا مرتين، فكانت الكفارة عليه أوكد.

ولأنه لو لم تجب الكفارة على مثل هذا لصار ذريعة إلى أن لا يكفر أحد، فإنه لا يشاء أحد أن يجامع في رمضان إلا أمكنه أن يأكل ثم يجامع، بل ذلك أعون له على مقصوده، فيكون قبل الغذا عليه كفارة، وإذا تغذى هو وامرأته ثم جامعها فلا كفارة عليه، وهذا شنيع في الشريعة لا ترد بمثله.

فإن قد استقر في العقول والأديان أنه كلما عظم الذنب كانت العقوبة أبلغ، وكلما قوى الشبه قويت، والكفارة فيها شوب العبادة وشوب العقوبة، وشرعت زاجرة وماحية، فبكل حال قوة السبب يقتضي قوة المسبب، ثم الفطر بالأكل لم يكن سببا مستقلا موجبا للكفارة، كما يقوله أبو حنيفة ومالك، فلا أقل أن يكون معينا لسبب المستقل، بل يكون مانعا من حكمه وهذا بعيد عن أصول الشريعة، ثم المجامع كثيرا ما يفطر قبل الإيلاج فتسقط الكفارة عنه بذلك على هذا القول وهذا ظاهر البطلان، والله أعلم" [مجموع الفتاوى 25/260-263]

** إن جامع في يومين فهل عليه كفارتان؟ لهذه المسألة حالتان:

الحال الأولى: إن كفر عن اليوم الأول فعليه كفارة ثانية، قال ابن قدامة: "بغير خلاف نعلمه" [المغني 4/386] 

الحال الثانية: إن لم يكفر عن اليوم الأول ففيه خلاف بين العلماء: 

القول الأول: أنه تلزمه كفارة ثانية لأن كل يوم عبادة مستقلة، ولهذا لا يفسد صوم اليوم الأول بفساد اليوم الثاني، وهو مذهب الجمهور.

القول الثاني: أنه لا تلزمه إلا كفارة واحدة لأنها كفارات من جنس واحد فاكتفي فيها بواحدة، وهو مذهب الحنفية، وهو وجه عند الحنابلة.

والصواب هو القول الأول، لأنه إن جامع في رمضانين كان عليه كفارتان، فكذلك إذا جامع في رمضان واحد مرتين في يومين، ولأنه إن جامع في يوم ثم كفر ثم جامع في يوم ثان لزمه كفارة ثانية، فكذلك إذا لم يكفر عن المرة الأولى، وما الفرق بينهما؟ 

والقول بتداخل الكفارتين وأنه لا يلزمه إلا كفارة واحدة فيه بعد شديد، وهو يفتح الباب على مصراعيه لانتهاك حرمة الشهر، فيجامع في يوم ثم يجامع في كل الشهر ولا تلزمه إلا كفارة واحدة، ومثل هذا لا تأتي الشريعة بمثله.

** إن طلع الفجر وهو مجامع فنزع، ففيه خلاف بين العلماء:

القول الأول: وهو المشهور في المذهب، أن عليه القضاء والكفارة، لأن النزع جماع يتلذذ به.

القول الثاني: وهو مذهب الشافعي ورواية عن الإمام أحمد أنه لا شيء عليه، لا قضاء، ولا كفارة، لأن الله أباح له الجماع قبل الفجر، وما ترتب على المأذون فهو غير مضمون، وهو قد نزع مباشرة.

القول الثالث: وهو مذهب المالكية أنه صومه يبطل، وعليه القضاء، وليس عليه كفارة.

والقول الثاني هو الأقرب، لكن عليه أن ينزع في الحال.

** هل تجب الكفارة بإفساد صوم رمضان بغير الجماع؟ فيه خلاف بين العلماء:

القول الأول: وهو مذهب الجمهور، وهو الصحيح أنه لا تجب الكفارة، لعدم الدليل.

القول الثاني: وهو مذهب الحنفية أنه تجب الكفارة بالأكل والشرب إذا كان مما يغذي أو يتداوى به، واستدلوا بالقياس على المجامع.

وأجيب بأنه قياس في مقابلة النص، والجماع يفترق عن الأكل والشرب.

القول الثالث: وهو مذهب المالكية أنه تجب الكفارة في كل ما كان فيه هتكا للصوم بلا عذر، إلا الردة، واستدلوا بما يأتي:

1- ما رواه مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلا أفطر في رمضان، فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكفر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا، فقال: لا أجد فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعَرَق –وعاء- تمر، فقال: خذ هذا فتصدق به، فقال: يا رسول الله ما أجد أحوج مني، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه ثم قال كله) [ك 660]، فهو قد أفطر، ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم من سبب فطره.

وأجيب عن هذا بأن المراد فطره بالجماع، لأن مخرج الحديث واحد، والقصة واحدة، وقد بينت الروايات الأخرى أن سبب فطره هو الجماع، قال البيهقي: "رواه عشرون من حفاظ أصحاب الزهري بذكر الجماع" [انظر التلخيص الحبير] 

2- ما أخرجه الدارقطني من طريق محمد بن كعب عن أبي هريرة: (أن رجلا أكل في رمضان، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة) الحديث 

وأجيب بان إسناده ضعيف لضعف أبي معشر راويه عن محمد بن كعب، والحديث ضعفه الحافظ في التلخيص الحبير. [الفروع 3/54، 55]