الأحد 4 ربيع الأول 1446
المفسد الثالث: ما كان بمعنى الأكل والشرب
الخميس 26 يناير 2023 2:00 مساءاً
456 مشاهدة
مشاركة

المفسد الثالث: ما كان بمعنى الأكل والشرب.

** اختلف العلماء في الحقنة على أقوال: 

القول الأول: أنها تفطر، وهذا مذهب الجمهور، لأن المادة التي يفها تصل إلى الجوف، وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعا: (الفطر مما دخل) [هق 4/261] 

وأجيب بأن الحديث ضعيف، في إسناده الفضل بن المختار، وهو ضعيف جدا، قال في التلخيص الحبير [1/207]: "الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عباس بلفظ: (الوضوء مما يخرج، وليس مما يدخل) وفي إسناده الفضيل بن المختار، وهو ضعيف جدا، وفيه شعبة مولى ابن عباس وهو ضعيف، وقال ابن عدي: الأصل في هذا الحديث أنه موقوف، وقال البيهقي: لا يثبت مرفوعا، ورواه سعيد بن منصور موقوفا، من طريق الأعمش، عن أبي ظبيان عنه، ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة، وإسناده أضعف من الأول، ومن حديث ابن مسعود موقوفا".

كما أن المتن منكر، فإن الفطر لا يكون دائما مما دخل، فالجماع لا يدخل جوف الإنسان منه شيء، وإنما قد يخرج منه مني وقد لا يخرج، وهو مفطر بالإجماع، والقيء عمدا لا يدخل جوف الإنسان منه شيء، وهو مفطر عند الجمهور. [انظر صحيح ابن خزيمة 2/229]

القول الثاني: أنها لا تفطر، وهو وجه عند المالكية ووجه عن الشافعية وصف بأنه شاذ، وهو مذهب الظاهرية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وعللوا ذلك بأن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، ولم يرد في الشريعة أن الحقنة تفطر، قال شيخ الإسلام: "ولا يفطر الصائم بالاكتحال والحقنة وما يقطر في إحليله -فتحة ذكر الرجل- ومداواة المأمومة والجائفة، وهو قول بعض أهل العلم، ويفطر بإخراج الدم بالحجامة وهو مذهب أحمد".

القول الثالث: وهو مذهب بعض المتأخرين أنه يفرق بين ما إذا كانت مغذية أو غير مغذية، فإذا كانت مغذية فإنها تفطر لأنها بمنزلة الأكل والشرب، أما إذا كانت غير مغذية فإنها لا تفطر سواء تناولها الإنسان عن طريق العضلات أم عن طريق العروق؛ لأنها ليست أكلا ولا شربا ولا هي بمعنى الأكل والشرب، ولا عبرة بوجود الطعم في الحلق في غير الأكل والشرب، ولذا قال الفقهاء: لو لطخ باطن قدمه بحنظل فوجد طعمه في حلقه لم يفطر. [انظر شرح المشيقح 4/328]

وقد يجاب عن هذا بأن الإبر حتى وإن كانت مغذية، فهي ليست بمنزلة الأكل والشرب؛ لأن الأكل والشرب يحصل بهما التلذذ مع التغذي، ولا يحصل ذلك بالحقن، ومع هذا فالأقرب هو القول الثالث.

** إذا حقن الدم في الصائم مثل أن يصاب بنزيف فيحقن به دم فإنه لا يفطر بذلك لأنه ليس أكلا ولا شربا ولا بمعناهما، وقيل يفطر به لأن الدم هو غاية الغذاء بالطعام والشراب وقد حصل بحقن الدم فيه، ولكن الصواب الأول لأن الأصل بقاء الصوم حتى يتبين فساده.

** اختلف المعاصرون في دواء الربو، على قولين:

القول الأول: أن بخاخ الربو لا يفطر، وهو رأي الشيخ ابن باز وشيخنا واللجنة الدائمة، واستدلوا بما يأتي: 

1- أن الداخل من بخاخ الربو إلى المريء ومن ثم إلى المعدة قليل جدا، فلا يفطر قياسا على المتبقي من المضمضة والاستنشاق، وقياسا على المتحلل من مواد السواك مما لا يمكن التحرز منه.

2- أن دخول شيء إلى المعدة من بخاخ الربو ليس قطعيا، بل مشكوك فيه، والأصل صحة الصيام.

3- أنه ليس أكلا ولا شربا، ولا بمعناه.

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "دواء الربو يستعمله المريض استنشاقا يصل إلى الرئتين عن طريق القصبة الهوائية، لا إلى المعدة فليس أكلا ولا شرابا ولا شبيها بهما، وإنما هو شبيه بما يقطر في الإحليل -فتحة ذكر الرجل- وما تداوى به المأمومة والجائفة وبالكحل والحقنة الشرجية ونحوها من كل ما يصل إلى الدماغ أو البدن من غير الفم أو الأنف، وهذه الأمور اختلف العلماء في تفطير الصائم باستعمالها، فمنهم من لم يفطر الصائم باستعمال شيء منها، ومنهم من فطره باستعمال بعض دون بعض، مع اتفاقهم جميعا على أنه لا يسمى استعمال شيء منها أكلا ولا شربا، لكن من فطر باستعمالها أو شيء منها جعله في حكمهما بجامع أن كلا من ذلك يصل إلى الجوف باختيار، ولما ثبت من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) فاستثنى الصائم من ذلك مخافة أن يصل إلى حلقه أو معدته بالمبالغة في الاستنشاق فيفسد الصوم، فدل على أن كل ما وصل إلى الجوف اختيارا يفطر الصائم، ومن لم يحكم بفساد الصوم بذلك كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ومن وافقه لم ير قياس هذه الأمور على الأكل والشرب صحيحا، فإنه ليس في الأدلة ما يقتضي أن المفطر هو كل ما كان واصلا إلى الدماغ أو البدن أو ما كان داخلا من منفذ أو واصلا إلى الجوف، وحيث لم يقم دليل شرعي على جعل وصف من هذه الأوصاف مناطا للحكم بفطر الصائم لم يصح تعليق الحكم به شرعا، وجعل ذلك في معنى ما يصل إلى الحلق أو المعدة من الماء بسبب المبالغة في استنشاقه غير صحيح أيضا لوجود الفارق، فإن الماء يغذي فإذا وصل إلى الحلق أو المعدة أفسد الصوم سواء كان دخوله من الفم أو الأنف إذ كل منهما طريق فقط، ولذا لم يفسد الصوم بمجرد المضمضة أو الاستنشاق دون مبالغة ولم ينه عن ذلك، فكون الفم طريقا وصف طردي لا تأثير له، فإذا وصل الماء ونحوه من الأنف كان له حكم وصوله من الفم، ثم هو يستعمل طريقا للتغذية في بعض الأحيان فكان هو والفم سواء، والذي يظهر عدم الفطر باستعمال هذا الدواء استنشاقا لما تقدم من أنه ليس في حكم الأكل والشرب بوجه من الوجوه." ا.هـ 

القول الثاني: أن بخاخ الربو يفطر، ولا يجوز أخذه إلا عند الحاجة، ويقضي ذلك اليوم، وهو قول الدكتور فضل حسن عباس، والشيخ محمد تقي الدين العثماني، والدكتور وهبة الزحيلي، واستدلوا بأنه يصل إلى المعدة عن طريق الفم. [مفطرات الصيام المعاصرة د. أحمد الخليل ص19]

** الأقراص التي توضع تحت اللسان لعلاج بعض الأزمات القلبية، لا تفطر على الصحيح، لأنها تمتص بعد وضعها بوقت قصير، ويحملها الدم إلى القلب، فتوقف أزمته المفاجئة، ولا يدخل إلى الجوف شيء من هذه الأقراص. [مفطرات الصيام المعاصرة د. أحمد الخليل ص20]

** اختلف العلماء في قطرة الأنف (السعوط) على قولين: 

القول الأول: أنها لا تفطر، وهو مذهب الظاهرية، واختار هذا القول مجمع الفقه الإسلامي والشيخ الطريفي، واستدلوا بأنه غير قاصد، وبأنه لا يصل إلى الجوف شيء من هذه القطرة، بل غايته أن يحس بطعمه في حلقه، والإحساس بالطعم في الحلق لا يستلزم دخول الجوف شيء.

وعلى فرض أنه يصل منه شيء إلى جوفه، فهو معفو عنه قياسا على المضمضة، فالملعقة الواحدة الصغيرة تتسع إلى 5سم مكعب من السوائل، وكل 1سم مكعب يمثل خمس عشرة قطرة، فالقطرة الواحدة تمثل جزءا من خمسة وسبعين جزاء مما يوجد في المعلقة الصغيرة، وبعبارة أخرى فإن حجم القطرة الواحدة 0.06 سم مكعب، ويمتص بعضه من باطن غشاء الأنف، فما يصل إلى المعدة إلا أقل القليل مما يعفى عنه قياسا على المضمضة.

وأيضا فإن هذا الدواء غير مغذ، وإذا قلنا بمذهب شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه لا يفطر إلا إذا أدخل إلى جوفه ما كان من جنس الغذاء، كانت هذه القطرة غير مفطرة.

القول الثاني: قول الجمهور أنه يفطر بذلك إن وصل إلى حلقه؛ لأن الأنف منفذ معتبر شرعا، ولهذا ثبت عن لقيط بن صبرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) [حم 15945، د 2366، ن 87، جه 407، ت 788، وصححه ابن حجر والنووي وغيرهما]

والقول الأول أقرب، لا سيما أنه غير متعمد لإيصال شيء إلى جوفه، فهو كما لو استنشق فدخل ما إلى جوفه بدون قصد. [مفطرات الصيام المعاصرة د. أحمد الخليل ص25]

** اختلف العلماء في الكحل على قولين:

القول الأول: أنه مفطر، وهو مذهب المالكية والحنابلة، استدلوا على ذلك بما يأتي:

1- عن عبد الرحمن بن النعمان بن معبد عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال: ليتقه الصائم) [د 2377، وقال يحيى بن معين: هو حديث منكر، وضعفه شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 25/234، وسيأتي كلامه، وضعفه ابن القيم في زاد المعاد 2/63، وضعفه الألباني والطريفي]

2- حديث ابن عباس مرفوعا: (الفطر مما دخل، والوضوء مما خرج) 

وأجيب أن الحديث ضعيف، في إسناده الفضل بن المختار، وهو ضعيف جدا، قال في التلخيص الحبير [1/207]: "الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عباس بلفظ: (الوضوء مما يخرج، وليس مما يدخل) وفي إسناده الفضيل بن المختار، وهو ضعيف جدا، وفيه شعبة مولى ابن عباس وهو ضعيف، وقال ابن عدي: الأصل في هذا الحديث أنه موقوف، وقال البيهقي: لا يثبت مرفوعا، ورواه سعيد بن منصور موقوفا، من طريق الأعمش، عن أبي ظبيان عنه، ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة، وإسناده أضعف من الأول، ومن حديث ابن مسعود موقوفا".

كما أن المتن منكر، فإن الفطر لا يكون دائما مما دخل، فالجماع لا يدخل جوف الإنسان منه شيء، وإنما قد يخرج منه مني وقد لا يخرج، وهو مفطر بالإجماع، والقيء عمدا لا يدخل جوف الإنسان منه شيء، وهو مفطر عند الجمهور. [انظر صحيح ابن خزيمة 2/229]

القول الثاني: أنه غير مفطر، وهو مذهب الحنفية والشافعية، واستدلوا بما يأتي:

1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (اكتحل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو صائم) [جه 1678، وأنكره البخاري وأبو حاتم، وضعفه الطريفي، وصححه الألباني]

والحديث من رواية بقية قال حدثنا الزبيدي، والزبيدي هذا يحتمل أنه محمد بن الوليد: ثقة، ويحتمل أنه سعيد بن أبي سعيد أو سعيد بن عبد الجبار، هما واحد: ضعيف، وعامة المحدثين على أن الزبيدي هذا هو الضعيف.

والحديث عند الطبراني في الصغير1/246 من حديث بقية عن محمد بن الوليد الزبيدي، لكنه هنا عنعن، والحديث ضعفه النووي في المجموع.

وقال الحافظ ابن حجر: "في إسناده بقية، عن الزبيدي عن هشام بن عروة، والزبيدي المذكور اسمه سعيد بن أبي سعيد ذكره ابن عدي، وأورد هذا الحديث في ترجمته، وكذا قال البيهقي وصرح به في روايته وزاد: إنه مجهول، وقال النووي في شرح المهذب: رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف من رواية بقية عن سعيد بن أبي سعيد عن هشام، وسعيد ضعيف، قال: وقد اتفق الحفاظ على أن رواية بقية عن المجهولين مردودة، انتهى. 

وليس سعيد بن أبي سعيد بمجهول بل هو ضعيف، واسم أبيه عبد الجبار على الصحيح، وفرق ابن عدي بين سعيد بن أبي سعيد الزبيدي فقال: هو مجهول، وسعيد بن عبد الجبار فقال: هو ضعيف، وهما واحد، ورواه البيهقي من طريق محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده: (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يكتحل وهو صائم) وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: هذا حديث منكر، وقال في محمد: إنه منكر الحديث، وكذا قال البخاري، ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمر، وسنده مقارب.

ورواه ابن أبي عاصم في كتاب الصيام له من حديث ابن عمر أيضا ولفظه: (خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعيناه مملوءتان من الإثمد وذلك في رمضان وهو صائم) ورواه الترمذي من حديث أنس في الإذن فيه لمن اشتكت عينه، ثم قال: ليس إسناده بالقوي، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء، ورواه أبو داود من فعل أنس ولا بأس بإسناده، وفي الباب عن بريرة مولاة عائشة في الطبراني الأوسط، وعن ابن عباس في شعب الإيمان للبيهقي بإسناد جيد." ا.هـ] 

2- وروده عن بعض الصحابة كأنس وعائشة وابن عباس رضي الله عنهم. [انظر آخر كلام الحافظ السابق المنقول من التلخيص الحبير]

والقول الراجح هو القول الثاني، للبراءة الأصلية.

** قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله -فتحة ذكر الرجل- ومداواة المأمومة والجائفة فهذا مما تنازع فيه أهل العلم فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك، ومنهم من فطر بالجميع لا بالكحل، ومنهم من فطر بالجميع لا بالتقطير، ومنهم من لم يفطر بالكحل ولا بالتقطير ويفطر بما سوى ذلك.

والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك، فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حديثا صحيحا ولا ضعيفا ولا مسندا ولا مرسلا علم أنه لم يذكر شيئا من ذلك، والحديث المروي في الكحل ضعيف ...

والذين قالوا: إن هذه الأمور تفطر كالحقنة ومداواة المأمومة والجائفة لم يكن معهم حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكروا ذلك بما رأوه من القياس، وأقوى ما احتجوا به قوله: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما)، قالوا: فدل ذلك على أن ما وصل إلى الدماغ يفطر الصائم إذا كان بفعله، وعلى القياس كل ما وصل إلى جوفه بفعله من حقنة وغيرها، سواء كان ذلك في موضع الطعام والغذاء أو غيره من حشو جوفه ...

وإذا كانت الأحكام التي تعم بها البلوى لا بد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانا عاما ولا بد أن تنقل الأمة ذلك: فمعلوم أن الكحل ونحوه مما تعم به البلوى كما تعم بالدهن والاغتسال والبخور والطيب، فلو كان هذا مما يفطر لبينه النبي صلى الله عليه وسلم كما بين الإفطار بغيره فلما لم يبين ذلك علم أنه من جنس الطيب والبخور والدهن، والبخور قد يتصاعد إلى الأنف ويدخل في الدماغ وينعقد أجساما، والدهن يشربه البدن ويدخل إلى داخله ويتقوى به الإنسان وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة، فلما لم ينه الصائم عن ذلك دل على جواز تطييبه وتبخيره وادهانه وكذلك اكتحاله ...

ومعلوم أن النص والإجماع أثبتا الفطر بالأكل والشرب والجماع والحيض، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى المتوضئ عن المبالغة في الاستنشاق إذا كان صائما، وقياسهم على الاستنشاق أقوى حججهم كما تقدم، وهو قياس ضعيف؛ وذلك لأن من نشق الماء بمنخريه ينزل الماء إلى حلقه وإلى جوفه فحصل له بذلك ما يحصل للشارب بفمه ويغذي بدنه من ذلك الماء ويزول العطش ويطبخ الطعام في معدته كما يحصل بشرب الماء، فلو لم يرد النص بذلك لعلم بالعقل أن هذا من جنس الشرب فإنهما لا يفترقان إلا في دخول الماء من الفم، وذلك غير معتبر بل دخول الماء إلى الفم وحده لا يفطر، فليس هو مفطرا ولا جزءا من المفطر لعدم تأثيره بل هو طريق إلى الفطر وليس كذلك الكحل والحقنة ومداواة الجائفة والمأمومة. 

فإن الكحل لا يغذي ألبتة ولا يدخل أحد كحلا إلى جوفه لا من أنفه ولا فمه، وكذلك الحقنة لا تغذي، بل تستفرغ ما في البدن كما لو شم شيئا من المسهلات أو فزع فزعا أوجب استطلاق جوفه، وهي لا تصل إلى المعدة والدواء الذي يصل إلى المعدة في مداواة الجائفة والمأمومة لا يشبه ما يصل إليها من غذائه ...

فإن قيل: بل الكحل قد ينزل إلى الجوف ويستحيل دما، قيل: هذا كما قد يقال في البخار الذي يصعد من الأنف إلى الدماغ فيستحيل دما وكالدهن الذي يشربه الجسم، والممنوع منه إنما هو ما يصل إلى المعدة فيستحيل دما ويتوزع على البدن.

ونجعل هذا وجها سادسا فنقيس الكحل والحقنة ونحو ذلك على البخور والدهن ونحو ذلك، لجامع ما يشتركان فيه من أن ذلك ليس مما يتغذى به البدن ويستحيل في المعدة دما وهذا الوصف هو الذي أوجب أن لا تكون هذه الأمور مفطرة وهذا موجود في محل النزاع." [مجموع الفتاوى 25/233 وما بعدها]

وخلاصة القول أن من أدخل شيئا إلى جوفه فلا يخلو من أمرين:

الأول: أن يدخله من منفذ معتاد كالفم والأنف، فيفطر بذلك، فإن كان طعاما أو شرابا فالفطر بهما واضح، وإن كان غير مغذ فقد سبق بحثه.

الثاني: أن يدخله من غير منفذ معتاد فلا يفطر بذلك على الصحيح، كالقطرة والكحل ومداواة الجائفة والمأمومة، أما الإبر المغذية ففيها نزاع.