الخميس 15 ربيع الأول 1446

فقه الصيام

شروط الفطر بالمفطرات
الخميس 26 يناير 2023 2:00 مساءاً
414 مشاهدة
مشاركة

شروط الفطر بالمفطرات 

** المفطرات السابقة ما عدا الحيض والنفاس، وهي الجماع والإنزال بالمباشرة والأكل والشرب وما بمعناهما والحجامة والقيء، لا يفطر الصائم شيء منها إلا إذا تناولها عالما ذاكرا مختارا، فهذه ثلاثة شروط: [الفروع 3/75، 51، الموسوعة الفقهية 28/41] 

الشرط الأول: أن يكون عالما، فإن كان جاهلا لم يفطر، لقوله تعالى {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} فقال الله: (قد فعلت) {م 126]، ولقوله تعالى {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم}.

وسواء كان جاهلا بالحكم الشرعي مثل أن يظن أن هذا الشيء غير مفطر فيفعله، أو جاهلا بالحال أي بالوقت مثل أن يظن أن الفجر لم يطلع فيأكل ويشرب وهو طالع، أو يظن الشمس قد غربت فيأكل وهي لم تغرب، فلا يفطر في ذلك كله، ويدل لذلك ما يأتي: 

1- حديث عدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: (لما نزلت {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت له ذلك فقال إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار) [خ 1916، م 1090] فلم يمسك حتى تبين له الخيطان ولم يأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقضاء لأنه كان جاهلا بالحكم.

2- حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: (‎أفطرنا على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم غيم ثم طلعت الشمس) [خ 1959] ولم تذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بالقضاء، لأنهم كانوا جاهلين بالوقت ولو أمرهم بالقضاء لنقل لأنه مما توفر الداعي على نقله لأهميته، بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية في حقيقة الصيام إنه نقل هشام بن عروة أحد رواة الحديث عن أبيه عروة أنهم لم يؤمروا بالقضاء.

لكن متى علم ببقاء النهار وأن الشمس لم تغب أمسك حتى المغيب، ومثل ذلك لو أكل بعد طلوع الفجر يظن أن الفجر لم يطلع فتبين له بعد ذلك أنه قد طلع فصيامه صحيح ولا قضاء عليه لأنه كان جاهلا بالوقت وقد أباح الله له الأكل والشرب حتى يتبين له الفجر والمباح المأذون فيه لا يؤمر فاعله بالقضاء.


الشرط الثاني: أن يكون ذاكرا، فإن كان ناسيا فصيامه صحيح ولا قضاء عليه عند جمهور العلماء؛ لقوله تعالى {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} فقال الله: (قد فعلت) {م 126]، ولحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) [ق] فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإتمامه دليل على صحته، ونسبة إطعام الناسي وسقيه إلى الله دليل على عدم المؤاخذة عليه، لكن متى ذكر أو ذكره أحد أمسك ولفظ ما في فمه إن كان فيه شيء.

وذهب المالكية إلى أن من أكل أو شرب ناسيا فعليه القضاء. [منح الجليل 2/133، حاشية الخرشي 2/250، الفروع 3/51]

وهل يجب على من رأى صائما يأكل أو يشرب أن ينبهه؟ فيه ثلاثة أقوال:

القول الأول: وهو وجه عند الحنابلة، أنه يجب أن ينبهه، لقوله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى}، وهذا هو الراجح.

القول الثاني: وهو وجه عند الحنابلة أنه لا يجب، وذهب إليه ابن عمر، فقد روى ابن حزم في المحلى عن عبد الله بن دينار قال: "استسقى ابن عمر وهو صائم، فقلت: ألست صائما؟ فقال: أراد الله أن يسقيني فمنعتني" [المحلى 4/357]

القول الثالث: وهو وجه استظهره صاحب الفروع، أنه يجب تنبيه الجاهل لا الناسي. [الفروع 3/53]


الشرط الثالث: أن يكون مختارا، أي متناولا للمفطر باختياره وإرادته، فإن كان مكرها فصيامه صحيح ولا قضاء عليه لأن الله سبحانه رفع الحكم عمن كفر مكرها وقلبه مطمئن بالإيمان فقال تعالى {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} فإذا رفع الله حكم الكفر عمن أكره عليه فمن دونه أولى، ولحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعا: (إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) [جه 2043، وحسنه النووي، وصححه ابن حزم، وحسنه ابن تيمية في مجموع الفتاوى 10/762، وقال أبو حاتم الرازي: "منكر، كأنه موضوع"، البدر المنير 4/177، وأنكره الإمام أحمد جدا، وقال: "ليس يروى هذا إلا عن الحسن عن النبي -صلى الله عليه وسلم-"، التلخيص الحبير 2/464، وقال ابن رجب: "إسناده صحيح في ظاهر الأمر ... ولكن له علة"، جامع العلوم والحكم 2/361، وصححه الألباني، وقال الشنقيطي: "أعله أحمد وابن أبي حاتم إلا أنه قد تلقاه العلماء بالقبول وله شواهد"، مذكرة الأصول 45] 

فلو أكره الرجل زوجته على الوطء وهي صائمة فصيامها صحيح ولا قضاء عليها، ولا يحل له إكراهها على الوطء وهي صائمة إلا إن صامت تطوعا بغير إذنه وهو حاضر، ولو طار إلى جوف الصائم غبار أو دخل فيه شيء بغير اختياره أو تمضمض أو استنشق فنزل إلى جوفه شيء من الماء بغير اختياره فصيامه صحيح ولا قضاء عليه.

** استثنى بعض العلماء الجماع من العذر، فذهب المالكية والحنابلة والظاهرية إلى أنه لا يعذر بالجماع ناسيا، وذهب الحنفية الشافعية وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، إلى أنه إن جامع ناسيا فلا شيء عليه، وذهب الحنابلة إلى أن المكره على الجماع كالمختار.

واستدل من فرق بين الجماع وبين غيره بقصة ذلك الرجل الذي أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال هلكت، الحديث.

ويجاب عن ذلك بأن الرجل لم يكن جاهلا بالحكم، لأنه قال هلكت، وهذا دليل على أنه يعلم أنه ارتكب إثما.

فإن قيل لعله علم بالحكم بعد جماعه وقبل مجيئه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قلنا هذا خلاف الأصل، والإنسان غالبا يحاول قدر الاستطاعة أن يسقط العقوبة عن نفسه ولو علم بالحكم بعد أن فعل وقبل وصوله إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك.

فإن قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأله هل كان جاهلا أم لا، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، قلنا لا يحتاج هنا إلى استفصال لأن الرجل أقر بهلكته وخطئه فلا يحتاج إلى استفصال لعد ورود الاحتمال، وعلى هذا فالقاعدة مطردة، وأن من كان جاهلا بالحكم أو بالحال وأتى مفطرا من المفطرات فإنه لا يبطل صومه. [الفروع 3/76، الموسوعة الكويتية 35/61]