الجمعة 13 جمادي الأولى 1446

فقه الصيام

أحكام القضاء
الخميس 26 يناير 2023 2:00 مساءاً
401 مشاهدة
مشاركة

أحكام القضاء

** يستحب قضاء رمضان فورا، وهذا مذهب الجمهور، والمصحح عند الشافعية أنه إن أفطر لعذر فالقضاء على التراخي، وإن أفطر لغير عذر فالقضاء على الفور.


** يستحب قضاء رمضان متتابعا لأمور: 

الأول: أن هذا أقرب إلى مشابهة الأداء لأن الأداء متتابع.

الثاني: أنه أسرع في إبراء الذمة.

ثالثا: أنه أحوط لأن الإنسان لا يدري ما يحصل له، فقد يكون اليوم صحيحا وغدا مريضا.

وعند ابن حزم أنه يجب التتابع، واستدل بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (من كان عليه رمضان فليسرده ولا يقطعه)، والحديث ضعفه الحافظ في التلخيص [التلخيص الحبير 2/206، الإرواء 4/94-97]، والصواب أن التتابع ليس بشرط لقوله تعالى {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} ولم يقيدها.


** يجوز تأخير القضاء إلى أن يكون بينه وبين رمضان الثاني بعدد الأيام التي عليه، ويدل لذلك حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو برسول الله -صلى الله عليه وسلم-) [خ 1950، م 1146]


** لا يجوز تأخير القضاء إلى رمضان آخر من غير عذر، لحديث عائشة السابق ولأنه إذا أخره إلى ما بعد رمضان الثاني صار كمن أخر الصلاة المفروضة إلى وقت الثانية من غير عذر، أما إن كان لعذر كمرض استمر به أو سفر فلا حرج في تأخير القضاء.


** من أخر القضاء إلى رمضان آخر، ففيه خلاف: 

القول الأول: أنه يلزمه القضاء، مع إطعام مسكين عن كل يوم، وهذا مذهب الجمهور، واستدلوا بأن هذا مروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو أيضا قول ابن عباس وأبو هريرة، ولا يعلم لهما مخالف.

وأجيب بأن الحديث الذي ذكروه رواه الدارقطني، وسنده ضعيف جدا، وأما ما جاء عن ابن عباس وأبي هريرة فليس بحجة؛ لأنه خالفهما صحابي آخر وهو ابن مسعود، ولأن قولهما يخالف ظاهر قوله تعالى {فعدة من أيام أخر}.

القول الثاني: أنه لا يلزمه شيء سوى القضاء، وهذا مذهب الحنفية والظاهرية، وهو أقرب الأقوال، واستدلوا بقوله تعالى {فعدة من أيام أخر} وهذا شامل لقضاء الأيام قبل رمضان الثاني وبعده، وهذا قول ابن مسعود كما رواه ابن حزم في المحلى، ولأن الأصل براءة الذمة.

القول الثالث: أن عليه الإطعام فقط، وليس عليه قضاء، وهو مذهب بعض السلف، قالوا: لأنه لو صام لم يصح منه الصيام لأنه عمل عملا ليس عليه أمر الله ولا رسوله فيكون باطلا، كما لو صلى الصلاة بعد وقتها من غير عذر.

وأجيب بأنه لم يرد في الشرع أن من أخر قضاء الأيام التي عليه إلى رمضان آخر فإن صومه باطل، والقياس على الصلاة قياس مع الفارق، وعلى فرض صحة القياس فلماذا نلزمه بالإطعام؟.

[الفتح 4/189، المحلى 4/407، شرح المشيقح 4/368]


** من استمر به العذر فلم يقض ما عليه حتى مات فلا شيء عليه عند جماهير أهل العلم، خلافا لما حكي عن طاووس وقتادة، لأن الله تعالى أوجب عليه عدة من أيام أخر ولم يتمكن منها فسقطت عنه كمن مات قبل دخول شهر رمضان فإنه لا يلزمه صومه، مثاله: رجل أفطر العشر الأواخر من رمضان لمرض، ثم اشتد به المرض حتى مات، فلا شيء عليه لأنه لم يتمكن من القضاء.


** من وجب عليه شيء فلم يقضه حتى مات، ففيه خلاف بين العلماء:

القول الأول: وهو مذهب الحنابلة، أن ما وجب عليه بأصل الشرع لا يقضى عنه، كصيام رمضان ونحو ذلك، وما أوجبه هو على نفسه بالنذر فإنه يقضى عنه، مثاله: رجل كان عليه قضاء أيام من رمضان، وتمكن من قضائها لكنه لم يقضها حتى مات، فلا يصام عنه، لأن هذا وجب عليه بأصل الشرع، وإنما يطعم عنه، مثال آخر: رجل نذر أن يصوم أياما، فتمكن من صيامها ولم يصمها حتى مات، فإنه يقضى عنه، لأنه هو الذي أوجبه على نفسه، واستدلوا على التفريق بين ما وجب بأصل الشرع وبين ما أوجبه الإنسان على نفسه بما يأتي:

1- ما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من حنطة" [ن الكبرى 2/175، وقال الحافظ في التلخيص الحبير 2/209: "روى النسائي في الكبرى بإسناد صحيح عن ابن عباس ... وروى عبد الرزاق مثله عن ابن عمر من قوله، وفي البخاري في باب النذر عنهما تعليقا الأمر بالصلاة، فاختلف قولهما، والحديث الصحيح أولى بالاتباع"، الفتح 11/583] 

وأجيب عنه بأنه موقوف على ابن عباس، وقول ابن عباس لا يعارض به قول النبي -صلى الله عليه وسلم-.

2- عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا) [ت 718، جه 1757، قال الترمذي: "حديث ابن عمر لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، والصحيح عن ابن عمر موقوف"، والحديث ضعفه الألباني] 

وأجيب بأن الحديث ضعيف.

3- عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعا: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) [خ 1952، م 1147] 

4- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها؟ قالت: نعم، قال فصومي عن أمك) [خ 1953، م 1148، واللفظ لمسلم] ولفظ البخاري قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: نعم، فدين الله أحق أن يقضى) 

قال الحنابلة: وحديث عائشة يحمل على حديث ابن عباس الذي في الصحيحين في أن الذي يقضى هو النذر فقط، أما رمضان فإنه يطعم عنه.

وأجيب بأن هذا المسلك غير صحيح لأنه لا تعارض بين الحديثين حتى يجمع بينهما بحمل أحدهما على الآخر، لأن حديث ابن عباس فيه ذكر بعض أفراد العام بحكم لا يخالف العام.

قال الحافظ: "وقال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد: لا يصام عنه إلا النذر، حملا للعموم الذي في حديث عائشة على المقيد في حديث ابن عباس، وليس بينهما تعارض حتى يجمع بينهما، فحديث ابن عباس صورة مستقلة سأل عنها من وقعت له، وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة، وقد وقت الإشارة في حديث ابن عباس إلى نحو هذا العموم، حيث قيل في آخره (فدين الله أحق أن يقضى)" [الفتح 4/193]

5- من جهة التعليل ما قاله ابن القيم: "وأما الصوم الذي فرضه الله عليه ابتداء فهو أحد أركان الإسلام، فلا يدخله النيابة بحال كما لا يدخل الصلاة والشهادتين، فإن المقصود منها طاعة العبد بنفسه وقيامه بحق العبودية التي خلق لها وأمر بها، وهذا أمر لا يؤديه عنه غيره كما لا يسلم عنه غيره ولا يصلي عنه غيره، وهكذا من ترك الحج عمدا مع القدرة عليه حتى مات أو ترك الزكاة فلم يخرجها حتى مات، فإن مقتضى الدليل وقواعد الشرع أن فعلهما عنه بعد الموت لا يبرىء ذمته، ولا يقبل منه، والحق أحق أن يتبع.

وسر الفرق أن النذر التزام المكلف لما شغل به ذمته، لا أن الشارع ألزمه به ابتداء، فهو أخف حكما مما جعله الشارع حقا له عليه، شاء أم أبى، والذمة تسع المقدور عليه والمعجوز عنه ولهذا تقبل أن يشغلها المكلف بما لا قدرة له عليه بخلاف واجبات الشرع فإنها على قدر طاقة البدن لا تجب على عاجز.

فواجب الذمة أوسع من واجب الشرع الأصلي؛ لأن المكلف متمكن من إيجاب واجبات واسعة وطريق أداء واجبها أوسع من طريق أداء واجب الشرع، فلا يلزم من دخول النيابة في واجبها بعد الموت دخولها في واجب الشرع.

وهذا يبين أن الصحابة أفقه الخلق وأعمقهم علما وأعرفهم بأسرار الشرع ومقاصده وحكمه" [حاشية ابن القيم على سنن أبي داود 7/28، ينظر: أعلام الموقعين 5/438]

وأجيب بأن القاعدة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أجاب بلفظ مطلق عن سؤال وقع عن صورة محتملة، فإن الحكم يكون شاملا لجميع الصور، وهو قول الشافعي: ترك الاستفصال في قضايا الأحوال مع قيام الاحتمال، ينزل منزلة العموم في المقال، وقد علل النبي -صلى الله عليه وسلم- قضاء الصوم بعلة عامة للنذر وغيره، وهي قوله (دين الله أحق أن يقضى)

القول الثاني: أنه لا يقضى عنه شيء، سواء وجب بأصل الشرع أو بالنذر، إلا أن يوصي بقضاء الصوم فيطعم عنه، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك، والشافعي في الجديد، واستدلوا بأثر ابن عباس الذي استدل به أصحاب القول الأول وهو: "لا يصلي أحد عن أحد"، وقد سبق الجواب عنه.

القول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد أنه يقضي عن الميت ما وجب بأصل الشرع وما أوجبه على نفسه بالنذر، واستدلوا بحديث عائشة في الصحيحين، وبحديث ابن عباس أيضا، وقد سبقا.

والراجح هو القول الثالث، لأن الأدلة في هذه المسألة متفقة لا مختلفة، وهي تدل على أنه يصام عن الميت ما وجب عليه بأصل الشرع وما وجب عليه بالنذر.

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وليه) هو: وارثه أو قريبه، فإن تبرع غير الولي جاز على الصحيح، قال شيخ الإسلام: "وإن تبرع إنسان بالصوم عمن لا يطيقه لكبره ونحوه أو عن ميت وهما معسران توجه جوازه لأنه أقرب إلى المماثلة من المال، وحكى القاضي في صوم النذر في حياة الناذر نحو ذلك" [الفتاوى الكبرى 5/377].

وقوله (صام عنه وليه) أي ليصم، وهذا الأمر ليس للوجوب عند الجمهور خلافا لبعض الظاهرية، لقوله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، فإن لم يصم الولي عن الميت فإن يستحب أن يطعم عن كل يوم مسكينا قياسا على صوم الفريضة. [انظر شرح المشيقح 4/372] 

قال في الإنصاف: "يجوز صوم جماعة عنه في يوم واحد، ويجزئ عدتهم من الأيام على الصحيح، اختاره المجد في شرحه، قال في الفروع: هو أظهر"

وقال في الفروع: "وهل يجوز صوم جماعة عنه في يوم واحد ويجزئ عن عدتهم من الأيام؟ ... وحكى أحمد عن طاوس الجواز، وحكاه البخاري عن الحسن، وهو أظهر، واختاره صاحب شرح المهذب من الشافعية" [الإنصاف 3/336، الفروع 3/9، أحكام اليمين للمشيقح ص414] 


** هل يصح التطوع بالصوم قبل القضاء؟ اختلف العلماء على قولين: 

القول الأول: أنه لا يصح التطوع بالصوم قبل القضاء، وهو مذهب الحنابلة، واستدلوا بما يأتي:

1- حديث ابن عباس مرفوعا (اقضوا، فالله أحق بالوفاء) [خ 1852]

وأجيب عن ذلك بأن تأخير قضاء رمضان لا يعد إخلالا بحق الله تعالى، لفعل عائشة -رضي الله عنها-، وعليه فصوم النفل قبل القضاء لا شيء فيه.

2- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا: (من أدرك رمضان وعليه من رمضان شيء لم يقضه لم يتقبل منه، ومن صام تطوعا وعليه من رمضان شيء لم يقضه فإنه لا يتقبل منه حتى يصومه) [حم 8741، وفيه ابن لهيعة]

وقد قال ابن قدامة: "يرويه ابن لهيعة وفيه ضعف وفي سياقه ما هو متروك"، وبالسياق المتروك الجملة الأولى من الحديث. [الفروع 3/130]

3- أن النافلة لا تؤدى قبل الفريضة.

وأجيب عن ذلك بأن الفريضة وقتها في هذه الحال موسع فلم يفرض على الإنسان أن يفعلها مباشرة.

القول الثاني: أنه يصح ذلك ما لم يضق الوقت، وهو مذهب الجمهور، لكن يكره عند المالكية والشافعية تطوعه بالصوم قبل القضاء؛ واستدلوا على الجواز بأن ذلك مثل ما لو تنفل قبل أن يصلي الفريضة.

والقول الثاني هو الأقرب، ولكن التنفل قبل القضاء خلاف الأولى. [الموسوعة الكويتية 28/100]