الإثنين 12 ربيع الأول 1446
صيام ست من شوال
الخميس 26 يناير 2023 2:00 مساءاً
428 مشاهدة
مشاركة

صوم ست من شوال

** اختلف العلماء في صيام ست من شوال بعد صيام رمضان على قولين:

القول الأول: وهو مذهب الجمهور أنه مستحب، واستدلوا بحديث أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- مرفوعا: (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر) [م 1164] 

القول الثاني: أنه مكروه، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك، ومأخذ مذهبهم أن صيام ستة أيام، ليس مختصا بشوال، فإن من صام ستة أيام ولو في غير شوال، وكان قد صام رمضان، حصل له أجر صيام الدهر المنصوص عليه في الحديث، وإنما ذكر شوال في الحديث لأن الصوم فيه أسهل من غيره، لقرب العقد بالصيام، واعتياد البدن.

وإنما كره الإمام مالك المبادرة لأمرين، الأول: أنه خلاف ما أدركه من عمل أهل المدينة، والثاني: لئلا يتوهم أحد إلحاقها برمضان في الوجوب والفرض، وهذا مأخذ الحنفية.

وقد نص على ذلك في الموطأ فقال: "قال يحيى وسمعت مالكا يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان إنه لم ير أحدا من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يلحِق برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك"

** اختلف أهل العلم فيمن صام الست في غير شوال، لعذر أو غيره، هل يحصل له فضيلة صومها في شوال، على أقوال:

القول الأول: ذهب الحنفية والمالكية إلى أن الفضيلة تحصل لمن صام ستة أيام في شوال أو بعده، وأن الحديث إنما ذكر شوال من باب التيسير على المكلف، لأن صومها بعد رمضان أسهل من صومها بعد ذلك، وبناء على ذلك فإن الفضل الوارد في الحديث من كونه قد صام الدهر، إنما هو باعتبار أنه صام الدهر نافلة على أي حال، سواء صامها في شوال أو بعده.

قال العدوي: "وإنما قال الشارع: (من شوال) للتخفيف باعتبار الصوم، لا تخصيص حكمها بذلك الوقت، فلا جرم أن فعلها في عشر ذي الحجة مع ما روي في فضل الصيام فيه أحسن؛ لحصول المقصود مع حيازة فضل الأيام المذكورة، بل فعلها في ذي القعدة حسن أيضا، والحاصل: أن كل ما بعد زمنه كثر ثوابه لشدة المشقة" [حاشية العدوي على شرح الخرشي 2/243]

ونقل في "تهذيب فروق القرافي" عن ابن العربي المالكي أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: (من شوال) "على جهة التمثيل، والمراد: أن صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين، وذلك المذهب -يعني مذهب الإمام مالك-، فلو كانت من غير شوال لكان الحكم فيها كذلك، قال: وهذا من بديع النظر فاعلموه".

وقال ابن مفلح: "ويتوجه احتمال: تحصل الفضيلة بصومها في غير شوال، وفاقا لبعض العلماء، ذكره القرطبي؛ لأن فضيلتها كون الحسنة بعشر أمثالها، كما في خبر ثوبان، ويكون تقييده بشوال لسهولة الصوم لاعتياده رخصة، والرخصة أولى" [الفروع 3/108]

ونقله المرداوي وتعقبه بقوله: "قلت: وهذا ضعيف مخالف للحديث، وإنما ألحق بفضيلة رمضان لكونه حريمه، لا لكون الحسنة بعشر أمثالها، ولأن الصوم فيه يساوي رمضان في فضيلة الواجب" [الإنصاف 3/344]

القول الثاني: وهو مذهب الشافعية أن من فاته صيام ست من شوال قضاها في أي وقت، لكن ثوابها يكون دون ثواب من صامها في شوال، فمن صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان له ثواب صيام سنةٍ فرضا بلا مضاعفة، بخلاف من صام رمضان وستة من غير شوال، فهذا له ثواب سنة نفلا بلا مضاعفة. 

واستدلوا بأن الحديث قد بين أن صيام رمضان بعشرة أشهر، وأن الستة أيام بشهرين، كما جاء في حديث ثوبان -رضي الله عنه- مرفوعا: (صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام الستة أيام بشهرين، فذلك صيام السنة) [خز 2115]

ومن المعلوم أن الأصل في الشريعة أن الحسنة بعشر أمثالها، فلو صام ستة أيام من أي شهر في السنة كانت بشهرين، فلو كان صيام الست في شوال كالصيام في غيرها لم يكن لتخصيصها بالذكر فائدة. 

فعلم أن المراد بصيام الست من شوال ثواب الفرض، وإلا فمن صام ستة أيام في غير شوال حصل له ثواب صيام الدهر نفلا.

قال ابن حجر المكي: "من صامها مع رمضان كل سنة تكون كصيام الدهر فرضا بلا مضاعفة، ومن صام ستةً غيرها كذلك تكون كصيامه نفلا بلا مضاعفة" [تحفة المحتاج 3/456]

القول الثالث: وهو مذهب الحنابلة أنه لا تحصل فضيلتها إلا بصومها في شوال، لكن يرجى لمن صام بعضها ولم يكملها لعذر أن ينال أجرها وفضيلتها. [كشاف القناع 2/338]

وبهذا يعلم أنه المعتمد في المذاهب الأربعة أن من صام شوال قبل قضاء ما عليه من رمضان فإنه لا يحصّل أجر المضاعفة فرضا، بل الذين يقولون بأنه له أجر المضاعفة فرضا وهم الشافعية والحنابلة ينصون على أنه لا بد أن يكون صيامه في شوال بعد صيام رمضان، وإلا حصل أجر النفل.

ولهذا قال البجيرمي: "من لم يصم رمضان لعذر لا يسن له صيام ستة شوال ... قال أبو زرعة: وليس كذلك بل يحصل أصل سنة الصوم وإن لم يحصل له الثواب المذكور لترتبه في الخبر على صيام رمضان. وعبارة (ق ل) قوله (ثم أتبعه) إلخ 

يفيد أن من أفطر رمضان لم يصمها، وأنها لا تحصل قبل قضائه

، وقد يقال التبعية تشمل التقديرية لأنه إذا صام رمضان بعدها وقع عما قبلها تقديرا، أو التبعية تشمل المتأخرة كما في نفل الفرائض التابع لها اهـ" [البجيرمي على الخطيب 2/405]