الإثنين 12 ربيع الأول 1446
صوم تسع من ذي الحجة
الخميس 26 يناير 2023 2:00 مساءاً
432 مشاهدة
مشاركة

صوم تسع من ذي الحجة

** يسن صوم تسع ذي الحجة، ودليل ذلك ما يأتي:

1- حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعا: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر فقالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) [خ 969، ت 757، واللفظ له] 

2- عن حفصة -رضي الله عنها- قالت: (أربع لم يكن يدعهن النبي صلى الله عليه وسلم صيام عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر وركعتين قبل الغداة) [حم 25920، ن 2416، وضعفه الألباني]

3- عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس) [حم 21829، د 2437، وضعفه في نصب الراية 2/180، وصححه الألباني، وذكر الحافظ في التقريب أن امرأة هنيدة صحابية، تقريب التهذيب ص 1395 برقم 8908] 

أما حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: (ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صائما في العشر قط) [م 1176، وأعله الدارقطني بالإرسال] فهذا إخبار منها على حسب علمها.

وعلى القول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصم عشر ذي الحجة، فإن ذلك له عدة حكم، منها: 

1- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرد أن يكلف على الأمة، أو أن يشق عليها، فقد ذكر عموم العمل الصالح في تلك العشر.

2- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اكتفى بذكر التفضيل المطلق، وأمسك عن تعيين عمل بعينه، لبيان فضل العمل في هذه الأيام، ولو خص عملا معينا لاستمسك الناس به، واستغنوا عن غيره. 

3- أن الناس يختلفون في قوتهم على الأعمال، فلو خصص النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك الأيام بعمل واحد لشق ذلك على من لا يطيق ذلك العمل، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخفي بعض أعماله حتى لا يلتزم الناس فيها شيئا معينا، فعلى سبيل المثال: كان يطيل في سجوده ويدعو، ولم يرد عنه إلا اليسير فيما كان يدعو به في سجوده مما لا يوازي الزمن الذي دعا فيه، وكذلك دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصفا والمروة دعاء طويلا ثلاثا، ولم يثبت من دعائه حرفا، وإنما ثبت عنه الذكر من الحمد والتهليل والتكبير، وهذا الإخفاء مع تكراره من النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما هو لاختلاف حاجة الناس من جه السؤال، فهذا يسأل الله الشفاء، وهذا يسأل الله الغنى وغير ذلك. [شرح كتاب الصيام من منار السبيل للطريفي ص89]

** آكد صيام تسع من ذي الحجة هو يوم عرفة، وهو اليوم التاسع لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن صيام يوم عرفة فقال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) [م 1162] وعلى هذا فصوم يوم عرفة أفضل من صوم يوم عاشوراء 

** الحاج لا يسن له صوم يوم عرفة بل يكره له، ولهذا ثبت عن أم الفضل بنت الحارث أنها قالت: (أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال بعضهم هو صائم، وقال بعضهم ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه) [خ 1988، م 1123]، وهذا الحديث فعل من النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو لا يقوى على الحكم بكراهة صومه للحاج.

وأما حديث أبي هريرة: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم عرفة بعرفات) فهو حديث ضعيف في إسناده مهدي العبدي الهجري [د 2440، جه 1732، وضعفه الألباني، وقال الطريفي: "معلول بتفرد مهدي عن عكرمة، وعكرمة من المشهورين بالرواية، وله أصحاب كثر يعتنون بحديثه، وتفرد مهدي بهذا الحديث من وجوه الإعلال، والأمر الثاني: أن مهدي في ذاته مجهول، وقد جهله غير واحد من الأئمة"، بتصرف من الأحاديث المعلة في الصيام] 

قال ابن القيم في زاد المعاد: "وقد ذكر لفطره بعرفة عدة حكم منها: أنها أقوى على الدعاء، ومنها أن الفطر في السفر أفضل في فرض الصوم فكيف بنفله، ومنها أن ذلك اليوم كان يوم الجمعة وقد نهى عن إفراده بالصوم فأحب أن يرى الناس فطره فيه تأكيدا لنهيه عن تخصيصه بالصوم، وإن كان صومه لكونه يوم عرفة لا يوم جمعة، وكان شيخنا رحمه الله يسلك مسلكا آخر وهو أنه يوم عيد لأهل عرفة لاجتماعهم فيه كاجتماع الناس يوم العيد، وهذا الاجتماع يختص بمن بعرفة دون أهل الآفاق، قال: وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا في الحديث الذي رواه أهل السنن: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام)، ومعلوم أن كونه عيدا، هو لأهل ذلك الجمع، لاجتماعهم فيه" [زاد المعاد 2/77، 78] 

والحديث الذي ذكره ابن تيمية ثبت عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- مرفوعا بلفظ: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب) [حم 16928، ت 773، ن 3004، د 2419، وصححه الألباني]