الجمعة 25 جمادي الآخر 1446
اشتراط الصوم للاعتكاف
الخميس 26 يناير 2023 2:00 مساءاً
535 مشاهدة
مشاركة

** اختلف العلماء في اشتراط الصوم للاعتكاف على قولين:

القول الأول: يشترط الصوم لمن أراد الاعتكاف، وهو مذهب الحنفية والمالكية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم [زاد المعاد 2/88]، لكن عند الحنفية هو شرط للاعتكاف الواجب دون التطوع، واستدل من اشتراط الصيام بأدلة منها: 

1- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا اعتكاف إلا بصوم) [كم 1/440، هق 4/317، قط 2/199]

وأجيب عنه بأنه ضعيف، وقد ضعفه البيهقي وغيره، ومن المعاصرين ضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير.

2- حديث ابن عمر: (أن عمر رضي الله عنهما جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوما عند الكعبة فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال اعتكف وصم) [د 2474] 

وأجيب عنه بأن الحافظ قد ضعف زيادة الصوم [الفتح 4/274]، وهذه الزيادة ضعفها الدارقطني وابن قدامة في المغني، وقال الألباني: "صحيح دون قوله أو يوما وقوله وصم"

3- أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يرو عنه أنه اعتكف بغير صيام.

وأجيب عنه بما يأتي:

أولا: أنه لا يلزم من فعله -صلى الله عليه وسلم- للاعتكاف وهو صائم أن الصيام شرط لصحته.

ثانيا: أنه قد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه اعتكف العشر الأول من شوال.

ثالثا: أنه أذن لعمر بن الخطاب أن يعتكف ليلة، ومن المعلوم أن الليل ليس وقتا للصوم.

4- عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع" [د 2473، وقال الألباني: حسن صحيح] وفي رواية البيهقي عن عائشة: "والسنة فيمن اعتكف أن يصوم" [هق 4/315] 

وأجيب عن ذلك بأمرين: 

الأول: أن الأثر ليس من كلام عائشة -رضي الله عنها-، فإن أصل الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - في البخاري ومسلم [خ 2026، م 1172]، ولفظه: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده)، وأخرجه البيقهي برواية البخاري وزاد قولـه: "والسنة في المعتكف أن لا يخرج إلا للحاجة التي لابد منها، ولا يعود مريضا، ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، والسنة فيمن اعتكف أن يصوم"، وقال البيهقي: "وقوله: والسنة في المعتكف ... إلخ، فقد قيل: إنه من قول عروة"، وقال الدارقطني: "يقال: إن قولـه: من السنة للمعتكف ... الخ، ليس من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- أي ليس من قول عائشة - وإنه من كلام الزهري، ومن أدرجه فقد وهم، والله أعلم"، أما أبو داود فرواه دون ذكر أول الحديث الذي في الصحيحين، وقال بعد الحديث: "غير عبدالرحمن لا يقول فيه قالت: السنة، قال أبو داود: جعله قولَ عائشة"، فهو مدرج [انظر نصب الراية 3/60].

ثانيا: أنه محمول على الاستحباب للأدلة الأخرى.

وهذا الوجه ضعيف، لأنه لا يمكن حمل قوله: "لا اعتكاف إلا بصوم" على الاستحباب، لأن أقل ما يحمل عليه هذا النفي أن يكون نفيا للكمال، وهو نفي للكمال الواجب، فالصحيح أن هذا اللفظ مدرج وليس من كلام عائشة -رضي الله عنها-

5- أن الله تعالى قال {ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} فذكر الصوم مع الاعتكاف مما يدل على أنه شرط.

وأجيب بأن الاستدلال بالآية غير صحيح لأمرين: 

الأول: أنه ليس في الآية ما يدل على تلازم الصوم والاعتكاف وإلا لكان لا صوم إلا باعتكاف ولا قائل به.

الثاني: أن الله تعالى قد ذكر الاعتكاف في آية أخرى دون الصوم، فقال تعالى {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل إن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} 

القول الثاني: أنه يصح الاعتكاف بدون صوم، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، واستدلوا بأدلة منها: 

1- قوله تعالى {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} فذكر الاعتكاف ولم يشترط الصوم.

2- حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: (يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: فأوف بنذرك) [خ 2032، م 1656] ولو كان الصوم واجبا لما صح اعتكاف الليل لأنه لا صيام فيه.

3- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه وإنه أمر بخبائه فضرب أراد الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، فأمرت زينب بخبائها فضرب وأمر غيرها من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- بخبائه فضرب فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نظر فإذا الأخبية، فقال: آلبر تردن، فأمر بخبائه فقوض وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العشر الأول من شوال) [خ 2033، م 1173] فقد اعتكف العشر الأول من شوال، ومنها العيد، والعيد يحرم صومه، فدل هذا على أن الصوم لا يشترط في الاعتكاف.

4- ورد عن علي رضي الله عنه أنه قال: "المعتكف ليس عليه صوم إلا أن يشترطه على نفسه" [رواه ابن أبي شيبة] 

والصحيح هو القول الثاني.